تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويلتحق بهذا المطلب وجود التعارض في القول الواحد، أي في الحديث نفسه كما زعم من ادعى التناقض على الأحاديث، ومثاله ما أورده ابن قتيبة عندما قال (8): “قالوا حديث يفسد أوله آخره، قالوا: رويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: “اذا قام أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا، فانه لا يدري أين باتت يده” (9) قالوا: وهذا الحديث جائز لاولا قوله فانه لا يدري أين باتت يده، وما منا أحد الا وقد درى أن يده باتت حيث بات بدنه، وحيث باتت رجله، وأذنه، وأنفه وسائر أعضائه، وأشد الأمور أن يكون مس بها فرجه في نومه، ولو أن رجلا حس فرجه في يقظته لما نقض ذلك طهارته فكيف بأن يمسه وهو لا يعلم، والله لا يؤاخذ الناس بما لا يعلمون.

فالمعترضون على هذا الحديث كما يظهر اعترضوا على أمرين، وجدوا أنهما غير معقولين.

أولهما: قوله - صلى الله عليه وسلم -: “أين باتت يده” حيث فهموا منه أن جسمه يبات في مكان ويده في مكان آخر، ولهذا أوردوا الاعتراضات التي تبين ذلك حيث جاء: وما منا أحد الا وقد درى أن يده باتت حيث بات بدنه وحيث باتت رجله. وهذا الاعتراض منقوض بالروايات الأخرى عند ابن خزيمة (10) والدارقطني (11) بزيادة لفظه منه، فقد قال ابن خزيمة (12): باب ذكر الدليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - انما أراد بقوله: “فانه لا يدري أين باتت يده منه”، أي أنه لا يدري أين باتت يده من جسده، ثم روى الحديث ولفظه: “اذا استيقظ احدكم من نومه فلا يغمس يده في انائه، أو في منوئه حتى يغسلها فانه لا يدري أين باتت يده منه”. واسناده في هذا الحديث صحيح. فبهذا ينتقض الاعتراض الأول.

وثانيهما: انه يفهم من قوله - صلى الله عليه وسلم - أين باتت يده، أي على أي جزء من أجزاء جسمه وهذا لا يوجب غسلا لليد، لأن أقصى ما يمكن أن تمسه الفرج، ويرى المعترضون أن الوضوء من مس الفرج في اليقظة لا يوجب غسلا لليد أو وضوءا فكيف بالنوم وهو مقام احتمال ليس الا؟

وقد ذكر النووي تعليل هذا الأمر عن الشافعي فقال (1): سببه ما قاله الشافعي - رحمه الله - وغيره أن أهل الحجاز كانوا يقتصرون على الاسنجاء بالأحجار وبلادهم حارة، فاذا نام أحدهم عرق، فلا يأمن أن تطوف يده على المحل النجس أو على بثره أو قمله ونحو ذلك فتتنجس”. فالعلة اذا ليست مجرد الخوف من مس الفرج بل الخوف من التنجس ولهذا قال الشاطبي (2): “اذ النائم قد يمس فرجه فيصيبه شيء من نجاسة في المحل لعدم استنجاء تقدم النوم، او يكون قد استجمر فوق موضع الاستجمار، وهو لو كان يقزظان فمس لعلم بالنجاسة اذا علقت بيده فيغسلها قبل غمسها في الاناء لئلا يفسد الماء، واذا أممكن هذا لم يتوجه الاعتراض”.

فبهذا التعليل يندفع الاعتراض التثاني، وهو تعليل مقبول ومعقول اذا الخشية لابد مترتبة من خوف اصابة النجاسة، ولهذا نقل ابن عبد البر (3) الاجماع عن جماهير العلماء في الذي يبيت في سراويله وينام فيها، ثم يقوم من نومه ذلك أنه مندوب الى غسل يده قبل أن يدخلها في اناء وضوئه، قال: وفهم من أوجب عليه مع حاله هذه غسل يده فرضا. وعلل ابن عبد البر (4) الندب فيمن هذه حالة بأن من بات في سراويله لا يخاف عليه أن يمس بيده نجاسة في الأغلب من أمره.

المطلب الثاني: توهم تعارض القول مع الفعل:

وذلك أن يرد قول عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه نهي عن أمر ما ثم ينقل لنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قام بهذا الأمر وفعله، مما يجعل الناظر إلى هذين النَّصين في حيرة واضطراب، ان لم يكن في شك وارتياب.

وابتداء قد تكون الإجابة حاضرة وميسورة بأن نقدم الآخر على الأول منهما، أي أن نحمل الأمر على النسخ ان استطعنا معرفة زمن كل منهما، عند من يقولون بجواز نسخ القول بفعل، أو أن نرجح القول على الفعل، لأن دلالة القول أقوى من دلالة الفعل، ولا يعتريه ما يعتري الفعل من احتمالات تصرفه عن أن يكون بقوة القول، كأن يكون من خصوصيات النبي - صلى الله عليه وسلم -.

ولكن هذه الاجابات لا تكون الا بعد دراسة النصين سندا او متنا، وتقديم أجوبة مقبولة مقنعة، مع الأخذ بعين الاعتبار القواعد الحديثية والأصولية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير