تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما ادعاء الخصوصية فهيهات، اذ لابد من نص يثبت التخصيص، والخصوصية لا تثبت بالاحتمال، ولا يمكن ادعائهما بمجرد التعارض والتضاد، ثم اني أفهم الخصوصية التي خص بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وبخاصة في احكام العبادات تميل نحو التشديد عليه لا العكس، اذ لا يعقل أن يامر أمته بأمر فيه عزيمة، ثم يترخص لنفسه - صلى الله عليه وسلم - فمثلا التهحد سنة على المؤمنين، لكنه فرض عليه - صلى الله عليه وسلم (5) - كما ذهب الى ذلك أغلب المحققين وكذا عند أكثر المفسرين في تفسيرهم لقوله تعالى (6): {ومن الليل فتهجد به نافلة لك} قال البغوي (7): وكانت صلاة الليل فريضة على - النبي صلى الله عليه وسلم - وعلى الأمة في الابتداء لقوله تعالى (8): {يا أيها المزمل قم الليل الا ... } ثم نزل التخفيف فصار الوجوب منسوخا في حق الأمة بالصلوات الخمس، وبقي قيام الليل على الاستحباب بدليل قوله تعالى (9): {فأقرؤا ما تيسر منه} وبقي الوجوب ثابتاً في حق النبي ـ صلى الله عليه وسلم - بدليل قوله (10): {نافلة لك} أي زيادة لك، يريد فريضة زائدة على سائر الفرائض.

وهذا القول مروي عن ابن عباس، فقد ذكر ابن جرير عن ابن عباس أنه قال: يعني النافلة، أو بقيام الليل وكتب عليه، وذكر أن مجاهدا قال: انها نافلة وليست فرضا، وعقب بقوله: وأولى القولين بالصواب في ذلك القول الذي ذكرنا عن ابن عباس، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان الله تعالى قد خصه بما فرض عليه من قيام الليل دون سائر أمته، فأما ما ذكر عن مجاهد في ذلك فقول لا معنى له.

فبعد هذا الاستطراد الذي اضطررت اليه لتأييد ما ذهبت اليه من أن الخصوصية في العبادات تميل في حق الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه وأمته من بعدهم بالشيء الذي فيه عزيمة، ثم يأتيه بدعوى التخصيص، ومن أدعى هذا فعليه البينة.

ومن أمثلة التعارض بين القول والفعل ما رواه البخاري (11) ومسلم (12) في صحيحهما - واللفظ للبخاري - عن أبي أيوب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: “اذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا”.

ثم ما نقله البخاري (13) عن ابن عمر أنه كان يقول: “ان ناسا يقولون اذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس، فقال عبد الله بن عمر، لقد ارتقيت يوما على ظهر بيت لنا فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته”.

ولقد اختلفت أنظار العلماء لهذين الحديثين مع أحاديث أخرى انضافت اليهما، ولكنها لا تخرج عما فيهما - وبناء على ذلك اختلفت اجتهاداتهم ومذاهبهم، ولا أريد أن أدخل في تفصيلات المذاهب من حيث النهي عن الاستقبال، أو الاستدبار، وهل هو عنهما معا، وهل يجوز الاستقبال دون الاستدبار، أم هما مباحان معا، لأن هذا وان كان متعلقات، الباب الا أنه لا يقذم كثيرا أو لا يوخر كما أرى، ولهذا فلسوف ابحث في قضية النهي عن الاستقبال والاستدبار معا، كما نطق بذلك الحديث، وما نقل الينا من استقبال الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو استدبار القبلة كما نقل الينا من فعله، فالذي يهمني بالدرجة الأولى هو بحث تناقض القول مع الفعل. وللتوفيق بينهما نجد عدة اراء.

منها أن البعض ذهب الى أن النهي على ما هو عليه، والفعل مختص به - صلى الله عليه وسلم - قال السيوطي (1): “وقال آخرون: هذا خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والأحاديث الدالة على المنع باقية بحالها، وأيده ابن دقيق العيد: بأنه لو كان هذا الفعل عاما للأمة لبينه لهم باظهار بالقول، فان الأحكام لا بد من بيانها. وقد رد ابن حجر هذا الرأي فقال (2): “ودعوى خصوصية ذلك بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لا دليل عليها اذ الخصائص لا تثبت بالاحتمال”.

وذهب آخرون الى النسخ كما يوحي بذلك ضيع ابن شاهين (3) حيث ساق بعد حديث النهي عدة أحاديث، منها حديث ابن عمر المتقدم آنفا، وحديث جابر ابن عبد الله، قال (4): كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد نهانا أن نستدبر القبلة، أو نستقبلها بطروحنا اذا أهرقنا الماء، ثم قد رأيته قبل موته بعام يبول مستقبل القبلة. وعقب على هذه الأحاديث برايين أحدهما قوله: وهذا يدل على أن حديث النهي نسخ بغيره والى هذا جنح الحازمي (5) وغيره.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير