تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد تعقب عدد من العلماء من ذهب الى هذا فهم ابن الجوزي حيث قال (1): “وقد ظن جماعة نسخ الأول بالثاني وليس كذلك”، وقال النووي (2): “وأما قولهم ناسخان فخطأ، لأن النسخ لا يصار اليه الا اذا تعذر الجمع، ولم يتعذر هنا”.

ثم انه قد غاب عن الأذهان أن الفعل لا ينسخ القول، بل ان من زعم النسخ لا يستطيع أن يدافع عن شبهة خطيرة، وهي لو لم يرتقي ابن عمر، أو يشاهد جابر فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما نقل الينا الخلاف، فيكون عمل الأمة جميعا على الحديث المنسوخ، وهذا باطل بين البطلان.

وذهب فريق ثالث، وهو أعدل الأقوال وأحكمها الى التفريق بين قضاء الحاجة في الخلاء، وبين قضائها في البنيان، فمنعوا الأول، وأجازوا الأخير.

قال الشافعي (3): كان القوم عربا، انما عامة مذاهبهم في الصحاري، وكثير من مذاهبهم لا حش فيها يسترهم، فكان الذاهب لحاجته اذا استقبل القبلة أو استدبرها استقبل المصلي بفرجه أو استدبره، ولم يكن عليهم ضرورة في أي بشرقوا أو يغربوا، فأمروا بذلك. وكانت البيوت مخالفة للصحراء فاذا كان بين اظهرها كان من فيه مستترا لا يراه الا من دخل أو أشرف عليه، وكان المذاهب بين المنازل متضايقة لا يمكن من التحرف فيها ما يمكن في الصحراء، فلما ذكر ابن عمر ما رأى من رسول الله من استقباله بيت المقدس، وهو حينئذ مستدبر الكعبة دل على أنه انما نهى عن استقبال الكعبة واستدبارها في الصحراء دون المنازل.

وقد صح ابن عبد البر هذا الرأي وارتضاه فقال (4): “والصحح عندنا الذي يذهب اليه ما قاله مالك وأصحابه، والشافعي لأن في ذلك استعمال السنن على وجوهها الممكنة فيها دون رد شيء ثابت منها.

وهو من أسلم الأداء وأحكمها، ويؤيده ما نقل عن مروان الأًغر قال (5): “رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة ثم جلس يبول اليها، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، أليس قد نهي عن هذا؟ قال: بلى، انما نهي عن ذلك في الفضاء، فاذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس”.

ويلتحق بتعارض القول مع الفعل، تعارض الهم بالفعل مع القول، ولا شك أن الهم بالفعل ليس بفعل، وان كان الله - تعالى - يثيب على الهم بالحسنة، ولا يعاقب على الهم بالسيئة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: “من هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة فان هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة” (6).

والهم مرحلة تسبق الفعل مباشرة تسبقها مراحل، اذ نقل السيوطي (7) عن السبكي (8) انه قال: الذي يقع في النفس من قصد المعصية على خمسة مراتب: الأول: الهاجس، وهو ما يلقي فيها، ثم جريانه فيها وهو الخاطر، ثم حديث النفس، وهو ما يقع فيها من التردد هل يفعل أو لا؟ ثم الهم، وهو ترجيح قصد الفعل، ثم العزم، وهو قوة ذلك القصد والجزم به.

ورأى القرافي (9) أن الهم والعزم مترادفان فقال (10) بعد تعريفه للهم والعزم: “فظاهر أنه -أي الهم - مراد في للعزم، وأن معناهما واحد”.

ويرى الغزالي (11) أن أحوال القلب قبل العمل بالجارحة أربعة (12): الخاطر، وهو حديث النفس، ثم الميل، ثم الاعتقاد، ثم الهم.

اذا فالهم عند جميعهم - تقريبا - هو المرحلة التي تسبق الفعل تماما.

أما مثال تعارض الهم مع أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو ما ورد في الصحيحين (13) واللفظ للبخاري - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: “والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلا فيؤم الناس، ثم أخالف والى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، ... ”.

وهذا يتعارض مع حديث آخر رواه البخاري (14) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعث، فقال: “ان وجدتم فلانا وفلانا، فاحرقوهما بالنار” ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أردنا الخروج: “اني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا، وان النار لا يعذب بها الا الله، فان وجدتموهما فاقتلوهما”.

وواضح جلي أن الهم بالتحريف، يتعارض مع نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحرق بالنار، ولدفع التعارض يرى ابن حجر (15) أن التحريق كان ثم نسخ، وذكر هو وغيره الاجماع على منع عقوبة المسلمين بذلك.

المطلب الثالث: توهم تعارض الفعلين:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير