تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال:" وبيَّن رحمه الله - أي أبو علي - أنَّ قولهم هذا أدَّاهم إلى التَّصديق بأخبارٍ رووها، نحو " إنَّ ربَّ العالمين يتجلَّى لعبادهِ يوم القِيامة ويكشِف عن ساقِهِ، ويقول: أنا ربُّكم فيقولون: نعوذ بالله منك (1) " إلى غير ذلك مما يدخل في باب السُّخف.

وأقرب ما روي في ذلك، أنَّ النَّبيَّ - صلّى الله عليه وسلّم- قال (2):" تَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ، لا تُضَامُّون في رُؤْيَتِهِ " وقد قال أصحابنا:إنَّ خبر الواحد لا يُقبل في مثل ذلك، وإنَّما يقبل خبر الواحد فيما طريقه العمل.

وقالوا: لو قال النَّبيُّ - عليه السَّلام - لتأوّلناه وحملناه على العلم، وأنَّه - عليه السَّلام - بشَّر أصحابه بأنَّهم يعرفون ربَّهم في الآخرة ضرورةً بلا كُلفةٍ ونظرٍ ".

فهذه النُّقول عن أئمة المعتزلة ومُفكِّريهم تبيِّن ضعف حجَّتهم، وعُموميَّة اعتراضاتهم فيما يخصُّ النَّقل، إذ يكفي عندهم أن يردُّوا الأخبار بأنَّها أخبار آحادٍ!! حتَّى حججهم العقليَّة غير مقنعةٍ وتأويلاتهم بعيدةٌ،وهذا قادهم إلى تحريف أقوال الصَّحابة وتفسيراتهم، فقال عبد الجبار (3): " وروي عن عائشة أنَّها لمَّا سمعت بأنَّ القوم يقولون: بأنَّ الله يُرى، قالت: لقد قفَّ شعري مما قلتموه، ودفعت ذلك بقوله: {لا تُدْرِكْهُ الأبْصَارَ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ} [الأنعام:103] ومعلومٌ أنَّ عائشة- رضي الله عنها لم تقل قولها في السِّياق الَّذي ذكره عبد الجبار، وإنَّما قالته في الرَّدِّ على من زعم أنَّ النَّبيَّ - صلّى الله عليه وسلّم - قد رأى ربَّه ليلة المعراج كما روى ذلك البُخاريُّ وغيره.

وسلك القاضي عبد الجبار مسلكاً آخر في كتابه " شرح الأُصول الخمسة " (1) إذ حاول الرَّدَّ على حديث الرُّؤية حديثيَّاً يحسن إيراده كاملاً للرَّدِّ عليه فقال: " وممَّا يتعلقون به أخبارٌ مرويَّةٌ عن النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم - وأكثرها يتضمَّن الخبر (2) والتَّشبيه، فيجب القطع على أنَّه - صلّى الله عليه وسلّم- لم يقله، وإن قال فإنَّه قال حكاية عن قومٍ، والرَّاوي حذف الحكاية ونقل الخبر.ومن جملتها وهو أشفُّ ما يتعلَّقون به، ما يُروى عن النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم-أنَّه قال: "سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ كَمَا ترَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ ".ولنافي الجواب عن هذا طرقٌ ثلاثةٌ:

أحدها: هو أنَّ هذا الخبر يتضمن الجبر والتَّشبيه، لأنَّنا لا نرى القمر - إلاَّ مُدوَّراً عالياً مُنوِّراً، ومعلومٌ أنَّه لا يجوز أن يُرى القديم تعالى على هذا الحدِّ، فيجب أن نقطع على أنَّه كذبٌ على النَّبيِّ - صلّىالله عليه وسلّم - وأنَّه لم يقله، وإنْ قاله، فإنَّه قاله حكايةً عن قومٍ كما ذكرنا.

والطَّريقه الثَّانية: هو أنَّ هذا الخبر يُروى عن قيس بن أبي حازمٍ، عن جرير بن عبد الله البَجَلي، عن النَّبيِّ - صلّى الله عليه وعلى آله - وقيس هذا مطعونٌ فيه من وجهين:

أحدهما، إنَّه كان يرى رأي الخوارج، يروى أنَّه قال: منذ سمعت علياً على منبر الكوفه يقول: أُنظروا إلى بقيَّة الأحزاب - يعني أهل النَّهروان - دخل بُغضُه قلبي، ومن دخل بغض أمير المؤمنين قلبه فأقلُّ أحواله أن لا يعتمد على قوله ولا يحتجَّ بخبره.

والثَّاني: قيل إنَّه خُولط في عقله آخر عمره، والكتبة يكتبون عنه على عادتهم في حال عدم التَّمييز، ولا ندري أنَّ هذا الخبر رواه وهو صحيح العقل أو مختلط العقل ......

وأمَّا الطَّريقة الثَّالثة: هو أن يُقال: إن صحَّ هذا الخبر وسلم، فأكبر ما فيه أن يكون خبرًا من أخبار الآحاد، وخبر الواحد مما لا يقتضي العلم، ومسألتنا طريقها القطع والثَّبات، وإذا صحَّت هذه الجمله بطل ما يتعلَّقون به. ثمَّ إنَّ هذا الخبر مُعارَضٌ بأخبارٍ رُويت منها ما روى (1) أبو قُلابه عن أبي ذرٍّ أنَّه قال للنَّبيِّ: هل رأيت ربك؟ فقال: " نُورٌ هُو أنَّى أرَاهُ " أي: أنورٌ هو؟ كيف أراه؟.

وقد تكفَّل الإمام أبو الحسن الأشعري (2) بردِّ الحجج العقليَّة وتأويلات المعتزله، وتوسَّع في ردِّها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير