تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فبالنَّظر إلى الأحاديث مجتمعةٍ نرى أنَّ بعض الأحاديث قد قيَّدت قولها بشرط أن لا يكون شاكَّاً بها، أو أن يكون مخلصاً بها قلبه، في أحاديث كثيرةٍ يطول استقصاؤها (3)، وبيَّنَتِ الأحاديثُ كذلك أنَّ على المرء أن يأتي بالشُّعب التَّابعة لهذه الكلمة، والّتي وُصفت في الأحاديث بشُعَبِ الإيمان، حتّى يستكمل الإيمان، وغير ذلك من الأُمور المكملة.

وبالرُّجوع إلى تلك الأحاديث جميعاً يزول ما تُوهِّم بأنَّه تأييدٌ لمذهب المُرجِئة، ونعرف أنَّ هذه الكلمة يترتَّب عليها ما يتبعها من أعمالٍ، وإن كانت " لا إله إلاّ الله " بشِقَّيها حافظةً لصاحبها من لخلود بالنار، لأنَّه تقرَّر أن لن يبقى في النَّار من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من إيمانٍ كما نطق بذلك، حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم -أنه قال (1): " يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لا إله إلاّ الله وفي قلبه وزن شعيةٍه مِن خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لا إله إلاّ الله وَفي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ،وَيخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لا إله إلاّ الله وَفي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ ". وفي روايةٍ من " إيمانٍ " مكان" من خيٍر ".

إذاً نفهم من قوله: " مَنْ قَال لا إله إلاّ الله دَخَلَ الجنَّة وَإنْ زَنَى وإن سَرَق " أنَّ نهاية مآله إلى الجنَّة، ولا يمنع ذلك أن يُعاقب بحسب ما اقترفت يداه إذا شاء الله، ويمكث في النَّار ما شاء الله أن يمكث، والأحاديث في هذا المعنى متوافره متواتره. (2)

وقال التَّرمِذيُّ عقب روايته حديث عُبادة بن الصَّامت (3): " مَنْ شَهِدَ أن لا إله إلاّ الله وأنَّ محمداً رَسُول الله حَرَّم الله عليه النَّارَ ": قال أبو عيسى (4): وجه هذا الحديث عند بعض أهل العلم أنَّ أهل التَّوحيد سيدخلون الجنَّة وإن عُذِّبوا بالنَّار بذنوبهم فإنَّهم لا يخلدون في النَّار.

ثانياً: أحاديث بعكس ما مضى تفيد أنَّ مرتكب الكبيرة قد يصل إلى مرحلة الكفر: وهو ما يُوهَم منه تأييد مذهب المعتزلة والخوارج، ومنها بعض الأحاديث التي تعارض الأحاديث الّتي مرَّت آنفاً، مثال ذلك ما أخرجه البُخاريّ (5) وغيره عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: " لا يَزْنِي الزَّانِي حِيْنَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الَخْمَر حِيَن يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ حِيْنَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إليهِ فِيْهَا أبْصَارَهُمْ حِيْنَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ".

ومن هذا القبيل كذلك ما رواه البُخاريُّ (1) ومُسلمٌ (2) وغيرهما عن عبد الله بن مسعود أنَّ النَّبيَّ - صلّى الله عليه وسلّم - قال: " سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوٌق وَقِتَالُهُ كُفْرٌ ".

فكما يُفهم من النَّصَّين: أنَّ مرتكب إحدى الكبائر ليس بمؤمنٍ، والحديث الثاني نصَّ على أنَّ قتال المسلم كفرٌ، والقتال كبيرةٌمن الكبائر، فعلىهذا مرتكب الكبيرة كافرٌ، وهو ما يُفهم منه تأييد مذهب الخوارج والمعتزلة0 وممّا يتعارض مع الأُصول المقرَّرة من أنَّ الكفر هو الارتداد لقول الله تعالى: {إنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (3).

فما المقصود بالحديثين عند ذلك وكيف نفهمهما؟.

بالنِّسبة للحديث الأوّل فقد جاء حلُّ إشكاله في ألفاظه، وهو قوله: " حِيْنَ يَزْنِي "، وقوله: " حِيْنَ يَسْرِقُ " أي في لحظة الزِّنى، وفي لحظة السَّرقة، لا أنَّ مُسمَّى الإيمان يزول عنه كليَّاً وينتقل إلى مُسمَّى الكفر،فإنَّ هذا لا يكون إلاّ باستحلال فاعل ذلك لما يصنع. ويُصدِّق هذا التَّحليل ما رواه أبو داود (1) بإسنادٍ صحيحٍ عن أبي هُريرة أنَّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم - قال: " إذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنَ الإيمانِ كَأنَّ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ، فَإذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إليهِ الإيمانُ ".

أمَّا قوله: "سِباب المسلم فسوق ٌوقتاله كفر ٌ" فيجب أن لا يُحمل على ظاهره، وبخاصَّةً إذا كان قتاله متأوّلاً، لا مُستحلاً له.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير