تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الحافظ ابن حجرٍ (2): " ظاهره غير مُرادٍ، لكن لما كان القتال أشدَّ من السِّباب - لأنَّه مُفْضٍ إلى إزهاق الرُّوح - عبَّر عنه بلفظٍ أشدَّ من لفظ الفسق وهو الكفر، ولم يُرِدْ حقيقة الكفر الّتي هي الخروج عن الملّة، بل أطلق الكفر مبالغةً في التَّحذير،معتمداً على ما تقرَّر من القواعد أنَّ مثل ذلك لا يُخرج عن الملّة، مثل حديث الشَّفاعة، ومثل قوله تعالى: {إنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.

إذاً فصرف الحديث عن ظاهره ليس من باب التَّشهِي، أو تأييد مذهبٍ معيَّنٍ، بل لما تقتضيه محكمات الآيات، ومُتواترات الأحاديث، فما كان من مُتشابهٍ يُردُّ إلى المُحكم ليُفهم على ضوئِهِ، والحديث من النَّوع المُتشابه الّذي يُفهم مع ضَمِّهِ للأحاديث الأُخرى الكثيرة المحكمة، وبديهيٌّ أنَّ الله لا يغفر الكفر، إذاً اقتضى أن يكون المراد بالكفر ليس كفر الردَّة.

ولزيادة التَّوضيح أنقل هذه الفقرات عن أحد علماء السَّلف وهو أبو القاسم عُبيد بن سلاّم إذ قال (3): " وإنَّ الّذي عندنا في هذا الباب كلّه أنَّ المعاصي والذُّنوب لا تُزيل إيماناً، ولا توجب كفراً ولكنَّها إنَّما تنفي من الإيمان حقيقته وإخلاصه الّذي نعت الله به أهله.

وقال (4): وأمَّا الآثار المرويات بذكر الكفر والشِّرك ووجوبهما بالمعاصي، فإنَّ معناهما عندنا ليست تُثبت على أهلها كفراً ولا شِركاً يُزيلان الإيمان عن صاحبه، إنَّما وجوهها أنَّها من الأخلاق والسُّنن التي عليها الكفَّار والمشركون.

وقال (1): وأمَّا الفُرقان الشَّاهد عليه في التَّنزيل فقول الله - عزَّوجل -: {وِمِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (2) وقال ابن عبّاسٍ (3):"ليس بكفرٍ ينقل عن الملّة".

وقد بيَّن ابن مَنده، أنَّ القتال كفرٌ لا يبلغ به الشِّرك فقال (4):" ذِكْر على ما يدلُّ أنَّ مواجهة المسلم بالقتال أخاه كفرٌ لا يبلغ به الشِّرك والخروج من الإسلام " ثمَّ روى حديثاً عن أبي بَكْرة -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- (5): " إذَا الْتَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَقَتَلَ صَاحِبَهُ، فَالْقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ في النَّارِ ".

فالحديث سمَّى القاتل والمقتول مسلمين، ولهذا ترجم ابن منده بقوله الّذي مرَّ آنفاً، وقريباً من هذا ترجم البُخاريُّ عند روايته هذا الحديث فقال (6): " باب وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فسمَّاهم المؤمنين ". ووضَّح ابن حجر (7) قائلاً: واستدل المؤلف أيضاً على أنَّ المؤمن إذا ارتكب معصيةً لا يكفر، بأنَّ الله تعالى أبقى عليه اسم المؤمن فقال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ اقْتَتَلُوا} وقال: {إ نَّمَا المُؤْمِنُونَ أُخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أخَوَيْكُمْ}.

وهذا كلُّه واضحٌ لمن كان له قلبٌ، أو ألقى السَّمْع وهو شهيدٌ.

المطلب الرَّابع:توهُّم تعارض الحديث مع عِصمة الأنبياء.

العِصمة لُغةً (1): مصدر عَصَمَ يَعْصِمُ، اكتسب ومنع ووقى.

أمَّا في الاصطلاح (2): فعصمة الأنبياء: حفظه إيَّاهم بما خصَّهم به من صفاء الجوهر ثمَّ بما أولاهم من الفضائل الجسميَّة والنَّفسِيَّة، ثمَّ بالنُّصرة وبتثبيت أقدامهم، ثمَّ بإنزال السَّكينة عليهم، وبحفظ قلوبهم وبالتَّوفيق 0

ولقد تعرَّض الرَّازي لتعريف العِصمة من خلال تعريف المعصوم فقال: (3):" المعصوم هو الّذي لا يُمَكِّنُه بالمعاصي، ومنهم من زعم أنَّه يكون متمكِّناً منه، والأولون منهم من زعم أنَّ المعصوم هو المختصُّ في بدنه أو في نفسه بخاصيَّةٍ تقتضي امتناع إقدامه على المعاصي ".

وقال (4) في شرح اختلاف النَّاس في العِصمة: " اعلم أنَّ الاختلاف في هذه المسأله واقعٌ في أربعة مواضع:

الأوّل: ما يتعلق بالاعتقاديَّة، واجتمعت الأُمَّة على أنَّ الأنبياء معصومون عن الكفر والبدعه إلا الفُضيليَّة من الخوارج (5) فإنَّهم يجوِّزون الكفر على الأنبياء-عليهم الصَّلاة والسَّلام- ....

الثَّاني: ما يتعلَّق بجميع الشَّرائع والأحكام من الله - تعالى - وأجمعوا على أنَّه لا يجوز عليهم التَّحريف والخيانه في هذا الباب لا بالعمد ولا بالسَّهو ....

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير