تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولم يرتضِ النَّوويُّ (3) ما ذهب إليه المَازِريُّ والقاضي عِياض، وعدَّه كلاماً باطلاً. مما جعل ابن حجرٍ يستغرب هذا الحكم من النَّوويِّ فقال (4): ولم يظهر لي من كلامهما ما يقتضي الحكم عليه بالبُطلان، بل كلام المَازِريّ يشير إلى مُحصِّل ما اقتصر عليه النَّوويُّ.

وأغلب العلماء حملوا الحديث على الخُصوِصيَّة، أي خصوصيَّة عجوة المدينه، وبعضهم وافق المَازِريَّ في أنَّ الحديث خاصٌّ بزمن نُطْقِهِ وبناءً على ذلك فقد يُخطئ من يتَّخذ هذا الحديث كوصفةٍ طِبِيَّهٍ يجعلها من المُسلَّمات الّتي لا تتخلَّف، فإن أعطاها لإنسانٍ ولم يصدُق عليه هذا الحديث كان مدخلاً للوَساوس وغيرها إلى نفسه، نعم قد يُجرِّب هذا إنسانٌ فيصحُّ له ما أراد، وما ذلك إلاّ لصفاء نِيَّتِهِ وصدق توَجُّهِهِ، إذاً فعلينا الحذر في هذا المجال، ولنحمل الحديث على الخُصوصيَّة أولى وأفضل والله أعلم.

ولقد عرض الدكتور مُورِيس بُوكاي (5) رأْياً حريَّا بالمُتابعة والمُناقشة بالرَّغم من توَسُّعِهِ فيه وتعميم نتيجته، وهو: أنَّ الحديث قد يكون صحيحاً لا شكَّ فيه، ولكنَّه يتعلَّق بأمرٍ من أُمور الدُّنيا مما لا علاقه للدِّين به، فلا فرق عندئذٍ بين النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم - وغيره من البشر؟!!.

وذكر حديث مُسلمٍ (1) الّذي نصّه: " إنَّمَا أنَا بَشَرٌ، إذَا أمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِيْنِكُمْ فَخُذُوا بِهِ، وإذَا أمَرْتُكُمْ بِشَيءٍ مِنْ رَأْيٍ فَإنَّمَا أنَا بَشَرٌ".

وهذا الحديث رُوي لنا مُقترِناً بحادثةِ تأبِير النَّخْلِ، الّتي أرشدهم رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - إلى تركها فآتت نتائج عكسيَّةٍ فقال الحديث.

وبناءً على ذلك فهل نستطيع أن نجعل كلَّ حديثٍ لا يتعلَّق بعقيدةٍ أو بشريعةٍ، وجاء في أمر المعاش وتدبير الأُمور الدُّنيويَّة من هذا القبيل؟.

هذا ما ستأتي إجابته في الباب الرابع لأنَّ موقعه هناك.

أنَّها أُمورٌ دنيويَّةٌ، كأحاديث: " نفي العَدْوَى (2) " مع أنَّ العدوى ثابتةٌ واقعاً.

وأحاديث نفي العَدْوى بالإضافة إلى مُناقضتها للأُمور الطِّبيَّة،وما حكمت به التَّجربه، فإنَّ هناك أحاديث نبويَّةً على نقيضها، مثل حديث: " لاَ يُورَدُ مُمْرِضٌ عَلى مُصِحٍ" (1).

وحديث: " فُرَّّ مِنَ المَجْذُومِ فِرَارُكَ مِنَ الأَسَدِ" (2).

وحديث أُسامه بن زيدٍ: " إذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ فِي أرْضٍ فَلا تَدْخُلُوهَا، وَإذَا وَقَعَ بِأرْضٍ وَأنْتُمْ بِهَا فَلا تَخْرُجُوا مِنْها" (1).

فهذه الأحاديث مجتمعة، مع ما يراه المرء من أحاديث نفي العَدوى، قد تدفع مُتحمِّسٍ إلىرفض ذلك، وفي أحسن الأحوال يقول كما قال مُورِيس بُوكاي بأنَّ هذا من الأُمور الدُّنيويَّة التي يستوي فيها الرَّسول وغيره؟!.

ولكنَّ الجمع بين الأحاديث، وفهم مراد النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم - من قوله لا عدوى يأبى علينا الفهم الّذي يرفض الحديث، إذ إنَّ الحديث لا ينفي وقوع العدوى بدليل الأحاديث الأُخرى الّتي ذكرتها في إثبات العدوى، ثمَّ من فعله - صلّى الله عليه وسلّم - كما رواه مُسلمٌ (2) عن عَمرو بن الشَّريد عن أبيه قال: كان في وفد ثقيفٍ رجلٌ مجذومٌ، فأرسل إليه النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلّم -: " إنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِع ".

إذاً فما المراد بالحديث: " لا عدوى "؟.

المراد بذلك كما أجاب علماء الإسلام نقضُ معتقدٍ جاهليٍّ يرى الأشياء تُعدِي بطبعها.

قال البَيْهقيُّ (3): " ثابتٌ عن النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم - أنَّه قال: " لاَ عَدْوَى " ولكنَّه أراد به على الوجه الذي كانوا يعتقدون في الجاهليه، من إضافة الفعل إلى غير الله - عزّوجلّ - ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير