تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد نقل ابن حجرٍ (4) عن القُرْطُبيِّ (5) في "المفهم "قوله: " العدوى من أوهام جُهَّال العرب، لأنَّهم كانوا يعتقدون أنَّ المريض إذا دخل في الأصحَّاء أمرضهم، فنفى النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلّم - ذلك وأبطله وأزاح شبهتهم بكلمةٍ واحدةٍ وهو قوله:" فَمَنْ أعْدَى الأوّل ومعناه: من أين جاء الجَربُ، أمن بعيرٍ آخر أجربه؟! فيلزم التَّسلسل إلى ما لا نهايةٍ وهومحالٌ، أو من سبب غيرالبعير؟! فالّذي فعل الجرب الأوّل هو من فعل الجرب الثَّاني، وهو الله الخالق لكلِّ شيءٍ والقادر على كلِّ شيءٍ. "

قال ابن حجر (1): " قلت: فالمُحصِّل من المذاهب في العدوى أربعةٌ:

الأوّل: إنَّ المرض يُعدي بطبعه صرفاً، وههذا قول الكفَّار.

الثَّاني: إنَّ المرض يعدي بأمرٍ خلقه الله - تعالى - فيه، وأودعه فيه لا ينفكُّ عنه أصلاً، إلاّ إنْ وقع لصاحب معجزةً أو كرامةً فيتخلَّف، وهو مذهبٌ إسلاميٌّ لكنَّه مرجوحٌ.

الثَّالث: إنَّ المرض يُعدي لكن لا بطبعه، بل بعادةٍ أجراها الله - تعالى - فيه غالباً، كما أجرى العادة بإحراق النَّار، وقد يتخلَّف ذلك بإرادة الله، لكنَّ التخلُّف نادراً في العادة.

الرَّابع: إنَّ المرض لا يُعدي بطبعه أصلاً، بل من اتفق له وقوع المرض فهو بخلق الله - سبحانه وتعالى - ذلك فيه ابتداءً، ولذلك يُرى الكثير ممن يصيبه المرض الَّذي يقال إنَّه يُعدي يُخالطه الصَّحيح كثيراً ولا يصيبه شيءٌ، ويُرىالكثير ممن يُخالط صاحب ذلك المرض أصلاً يصيبه ذلك المرض، وكلٌّ بتقدير الله.

والمذهبان الأخيران مشهوران، والّذي يترجَّح في باب العدوى هو المذهب الأخير، عملاً بعموم قوله: " لا يُعدِي شَيءٌ شَيْئاً " وقوله " - صلّى الله عليه وسلّم - ردَّاً على من أثبت العدوى: " فَمَنْ أعْدَى الأوّل "؟

إذاً فقوله - صلّى الله عليه وسلّم -: " لا عدوى " المراد به نقض اعتقادٍ جاهليٍّ، لا مجرد كلمةٍ يمكن جعلها ضمن الدُّنيويَّات الّتي يكون المرء مُختاراً في شأنها. ودليل ذلك ما يلي:

أوّلاً: صيغة الحديث كما عند مُسلمٍ (2) وغيره عند رواية:" لا عَدْوى .... " فقال

أعرابيٌّ: يا رسول الله، فما بال الإبل تكون في الرَّمل (1) كأنَّها الظِّبَاء، فيجيء البعير الأجرب فيدخل فيها فيُجربها كلَّها؟ قال: " فَمَنْ أعْدَى الأوّل "؟. أي لو كان هذا الأمر حقاً لوجب أنْ يكون هذا البعير قد أجربه بعيرٌ آخر وهكذا حتّى نصِل إلى أوّل بعير جرب، فمن أجربه؟.

ثانياً: إنَّ هذا الحديث لم يقتصر على ذكر العدوى فحسب فقد ذُكر معه الطِيَرة (2) والهامة (3) والصَّفر (4)، والغول، وهذه اعتقاداتٌ جاهليَّةٌ أبطلها الإسلام، فجمع كلمة لا عدوى مع هذه الاعتقادات، توضِّح أنَّ نفي العدوى أيضاً ضمن الاعتقادات الفاسدة، المراد إبطالها، والله أعلم.

المبحث الثَّاني

توهُّم تعارض الحديث مع الوقائع ونواميس الكون

بعد الاستقراء والبحث رأيت أنَّ هناك أحاديث قد يفهم سامعها أنَّها تتعارض مع الحوادث والوقائع، أو مع نواميس الكون وقوانين الله - تعالى - في الطَّبيعة، ووجه جمع الحوادث ونواميس الكون معاً في مبحثٍ واحدٍ أنَّ هذه النَّوامِيس غالباً ما ترتبط بحادثةٍ أو واقعةٍ’ مما يجعل ارتباطهما وثيقاً، وسيظهر ذلك بوضوح أثناء تناولي للأمرين في المطالب الآتيه:

المطلب الأوّل: تعارض الحديث مع الحوادث والوقائع.

وأقصد من ذلك ما يتعارض فيه الحديث مع حوادث إمَّا ماضية أو مستقبلة وهو الأكثر، وهذا التعارض قد يكون مَوهُوماً، أو مرتبطاً بأمرٍ آخريوضِّحه، أو ناتجاً عن قلَّة علمٍ وعدم استيعاب جوانب الموضوع كلَّها.

ولقد تعرَّضت لمثالٍ من هذا النَّوع في الباب الماضي وهو قول الرَّسول - صلّى الله عليه وسلّم - " مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ اليَومَ تَأتِي عَلَيْهَا مِئَةُ سَنَةٍ، وَهِيَ حَيَّةٌ يَومَئِذٍ " (1).

فهذا الحديث توهَّم البعض تعارضه مع الحوادث والوقائع، إذا انحزم القرن الأوّل ولم تنته الدُّنيا كما فهم المُعْتَرِضُون، ولقد بيَّنت وجه الحديث هناك فلا أُعيد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير