والجواب على هذا من أبسط الأجوبة، إذ إنَّ الأمر متعلِّقٌ بمعجزةٍ وكرامةٍ، ولا مانع من أن يكرم الله - تعالى - أحد أنبيائه، أو حتّى أحد أوليائه فيخرق له المعتاد، وما نواميس الكون ومسير الشَّمس والقمر إلا أمرٌ من المعتاد على الناس، فإذا أمرهما خالقهما بالتَّخلُّف، أو التَّأخُّر، أو حتَّى تغيير الوجهة تماماً، فلا يسعهما إلاّ الامتثال لأوامر الله - سبحانه وتعالى - وليس هاهنا ما يُثير العجب أو الاستنكار عند من يملك مُسحةً من الإيمان، أمَّا من كان خلاف ذلك فلا نُخاطبه بهذا أصلاً.
تنبيه: روى الطَّحاويُّ والطَّبرانيُّ (3) عن أسماء بنت عُمَيسٍ - رضي الله عنها - أنَّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - صلَّى الظُّهر بالصَّهباء، ثمَّ أرسل علياً في حاجة، فرجع وقد صلّى النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلّم - العصر، فوضع النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلّم - رأسه في حِجْر عليٍّ فنام، فلم يحركه حتَّى غابت الشَّمس، فقال النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلّم -: " الّلهمَّ إنَّ عبدك علياً احتبس بنفسه على نبيِّهِ، فرُدَّ عليه الشَّمس ".
قالت أسماء: فطلعت عليه الشَّمس حتَّى وقعت على الجبال وعلى الأرض وقام عليٌّ فتوضَّأ وصلّى العصر ثمَّ غابت، وذلك في الصَّهباء. (1)
فهذا الحديث لا يصحُّ، بل حكم عليه غير واحدٍ بالوضع (2)، وأنكر ابن حجرٍ على من حكم بوضعه! ولكنَّ الحديث في أحسن أحواله لا يصلُح للاحتجاج على مثل الّذي نحن بصدده فلا أتشاغل به.
المبحث الثّالث
توهُّم تعارض الحديث مع الواقع والمشاهدة
ويندرج تحت هذا المبحث أمران رئيسان وهما تعارض الحديث مع الواقع، وتعارضه مع الحِسِّ والمُشاهده، وقد يظنُّهما ظانٌّ شيئاً واحداً، إلاّ أنَّهما مفترقان والمطالب الآتية تبيِّن ذلك وتُجليه:
المطلب الأوّل: تعارض الحديث مع الحسِّ والمشاهدة.
والمراد بهذا الأحاديث التي تتعارض ظاهريَّاً مع ما يشاهده المرء في حياته العاديَّة، أو تعارض الحديث مع الأمورالمحسوسة الّتي تخضع للحواس، مثال ذلك ما رواه أبو داود (1) والنَّسائي (2) عن أبي هُريرة قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: " إذَا سَجَدَ أحَدُكُمْ فَلا يَبْرُكَ كَمَا يَبْرُكُ البَعِيْرُ، وَلْيَضَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ ".
ووجه تعارض هذا الحديث مع المشاهده أشار إليه الطَّحاويُّ (3) بقوله: " فقال قومٌ هذا الكلام محالٌ لأنَّه قال: لا يبرك كما يبرك البعير، والبعير إنَّما يبرك على يديه، ثمَّ قال: ولكن َيضع يديه قبل ركبتيه فأمره هاهنا أن يصنع ما يصنع البعير، ونهاه في أوّل الكلام أن يفعل ما يفعل البعير ".
وللَّتحقُّق من التَّعارض وعدمه لابدَّ من مباحث هنا:
أولها: التَّحقُّق من صحَّة الحديث: فمن خلال تخريج الحديث من المصادرالمختلفة وجدته يدور الحديث على عبد العزيز محمد قال: ثنا محمد ابن عبد الله بن حسن، عن أبي الزِّناد، وعن الأعرج، عن أبي هُريرة. وفي هذا الإسناد مقالٌ من جهتين.
الأُولى: رواية عبد العزيز بن محمد، وهو متكلَّمٌ فيه (1) وإن كان من رجال مسلمٍ، إلا أنَّ خلاصة رأى ابن حجرٍ (2) فيه: صدوقٌ، كان يُحدِّث من كتب غيره فيخطئ، قال النَّسائيُّ: حديثه عن عُبيد الله العُمريِّ منكرٌ.
فرواية عبد العزيز إن لم تكن عن عُبيد الله يتناولها اسم الحسن من الحديث، وهو ما يُفهم من قول ابن حجر صدوق.
والثَّانيه: قول البُخاريِّ (3): محمد بن عبد الله بن حسن، لا أدري أسمع من أبي الزِّناد أم لا،وهذا لا يعدُّ قدحاً لأنَّه من المعلوم أنَّ البُخاريَّ ينقد على أصله الذي يشترط في الرَّاويين، أن يُصرِّحا بصيغة التَّحديث، أو أن يثبت لقاءهما، ولهذا قال أحمد شاكر (4): وهذه ليست علَّة، وشرط البُخاريِّ معروفٌ لم يتابعه عليه أحدٌ، وأبو الزِّناد مات سنة 130هـ، ومحمدٌ مدنِيٌّ أيضاً غلب على المدينه ثمَّ قتل سنة 145هـ، وعمره 53 سنة، فقد أدرك أبا الزِّناد طويلاً."
فالحديث إن لم نقل قد صحَّ سنده فهو لا ينزل عن رتبة الحسن - كما سأبيِّن -.
ثانيهما: ما قيل من تعارض هذا الحديث مع المشاهده والمعاينة -كما قدَّمت- في قول الطَّحاوي الآنف الذِّكر - عن أقوامٍ لم يسمِّهم -. (1)
¥