ولهذا لا اختلاف ولا تعارض بين ما أمر به الكتاب العزيز، ونهت عنه السُّنَّة المُشرَّفة لأنَّ اتِّفاق الَّلفظيين، لا يعني اتِّفاق المعنيين وهذا ما أكَّده وركَّز عليه ابن خُزَيمة حيث قال (3): (باب الأمر بالسَّكِينة في المشي إلى الجُمُعة، والنَّهي عن السَّعي إليها والدَّليل على أنَّ الاسم الواحد يقع على فعلين يُؤمر بأحدهما ويُزْجر عن الآخر بالاسم الواحد، فمن لا يفهم العلم ولا يُميِّز بين المعنيين قد يخطر بباله أنَّهما مختلفان، قد أمر الله- عزَّوجلَّ-في نصِّ كتابه بالسَّعي إلى الجمعة في قوله {يَا أيُّهَا الّذِيْن آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاِة مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوا إلىذِكْرِاللهِ} والنَّبيُّ المصطفى- صلّى الله عليه وسلّم - قد نهى عن السَّعي إلى الصَّلاة فقال - صلّى الله عليه وسلّم
(6) أُنظر: البَيْهقي - السنن الكبرى: 3/ 227.
(7) سورة الليل: 4.
(8) سورة الانسان: 22.
(9) سورة البقرة: 205
(1) السنن الكبرى: 3/ 227.
(2) انظر: ابن كثير - التفسير: 4/ 365، والقُرطبي - الجامع لأحكام القرآن: 18/ 103، دار إحياء التراث العربي - بيروت تحقيق: أحمد عبد العليم البردوني، وقال القرطبي عقب ذلك: وهو تفسيرٌ منهم لا قراءة قرآنٍ منزلٍ، وجائزٌ قراءة القرآن بالتَّفسير في معرض التَّفسير،وما روي عن عمر بن الخطَّاب جاء بإسنادٍ صحيحٍ كما عند البَيْهقي: 3/ 227 أمَّا ما جاء عن ابن مسعود فهو منقطع كما قال القُرطبي.
(3) انظر: الصحيح لابن خزيمة: 3/ 135.
-: " إذَا أتيْتُم الصَّلاة فَعَلَيْكُم السَّكِينَةُ وَالوَقَارُ " وقال - صلّى الله عليه وسلّم -:" فَإِذَا أتَيْتم الصَّلاة فلا تَسْعُوا إليهَا وامْشُوا وَعَلَيْكُم السَّكِيْنَةُ ".
فالله- عزَّوجلَّ -أمر بالسَّعي إلى الجُمُعة، والنَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلّم - قد نهى عن السَّعي إلى الصَّلاة. فالسَّعي الّذي أمر الله به إلى الجمعة هو المُضيُّ إليها، غير السَّعي الَّذي زجر النَّبي - صلّى الله عليه وسلّم - في إثبات الصَّلاة، لأنَّ السَّعي الَّذي زجر النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلّم - هوالخَبب وشدَّة المشي إلى الصَّلاة الّذي هو ضدّ الوقار والسَّكينة، فما أمر الله- عزَّ وجل به غير ما زجر النَّبي - صلّى الله عليه وسلّم - عنه، وإن كان الاسم الواحد يقع عليهما جميعاً).
وكلُّ ما قدَّمته عن السعي والمراد بكلٍّ منهما في القرآن وفي الحديث تؤيِّده الُّلغة ويعضده فهم الُّلغويين، حيث قال ابن منظورٍ (1): (السَّعي: عَدْوٌ دون الشَّدِّ، سعى يسعى سعياً، وفي الحديث: " إذا أقيمت الصَّلاة .... "، فالسَّعي هنا العدْو، سعى إذا عدا، وسعى إذا مشى، وسعى إذا عمل وسعى إذا قصد، وإذا كان بمعنى المُضِيِّ عُدِّي بإلى، وإذا كان بمعنى العمل عُدِّيَ بالَّلام، والسَّعي: القصد، وبذلك فُسِّر قوله تعالى: فاسعوا إلى ذكر الله، وليس من السَّعي الّذي هو العَدْو).
المطلب الثَّاني: توهُّم تعارض مفهوم الكتاب مع صريح السُّنَّة:
وهو ما تتعارض فيه دلالة السُّنَّة الصَّريحة مع ما يفهم من القرآن الكريم، ومثال ذلك: قول رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم -: الوَائِدَةُ وَالمّؤودَةُ فِي النَّار"ِ (2) “ وهناك رواياتٌ أُخرى بزيادة: "إلاّ أنْ تُدْرِكَ الوَائِدَةُ الإسلامَ فَتُسْلِمَ ".
(1) هو جمال الدين أبو الفضل محمد بن المكرم الأنصاري الخزرجي الإفريقي، أصله من مدينة قفصة في تونس، نزل مصر وعرف باسم ابن منظور، صاحب التأليف الكثيرة منها " لسان العرب "، و " مختصر تاريخ دمشق "، توفي سنة: (711 هـ /1311م)، انظر ترجمتهـ
يث إسنادٌ أقوى وأحسن من هذا الإسناد"، ورواه الإمام أحمد في المسند: 3/ 478، والبُخاري في "االتاريخ الكبير":4/ 73، والنَّسائي في "التفسير":2/ 496، رقم (669)، والطَّبراني في "المعجم الكبير":7/ 39 - 40 رقم (6319) وابن حَزْمٍ في "الفصل":4/ 130، تحقيق د. محمد إبراهيم نصر، و د. عبد الرحمن عميرة دار الجيل - بيروت، 1405هـ/1985 والحديث مرويٌّ من طريق عبد الله بن مسعود كذلك كما أخرجه أبو داود في "السنن" 4/ 230 رقم (4717)، والبُخاري في التاريخ الكبير":4/ 74. وابن حبان في" الصحيح "كما في "الإحسان":16/ 521 - 522، في مسنده":2/ 119،
¥