، والطَّبراني في "المعجم الكبير":10/ 93رقم (10059)، والشَّاشِي في" مسنده":2/ 119، ورواه البَزَّار في "البحر الزَّخار": 5/ 42، تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الله،
فدلالة هذا الحديث الصَّريحة تقول أنَّ الوائدة والمؤودة كلتاهما في النَّار، وهذا يعارضه ويضادُّه مفهوم قول الله تعالى: {وَإِذَا المَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} إذ يُفهم من قول الله هذا أنَّ الموؤدة لا ذنب لها فتُقتل، وهذا السُّؤال إنَّما هو ذمٌ وتقريعٌ لقاتلها، كونه قتلها بلا سببٍ. قال الرَّازي وغيره: "وسؤالها هو على وجه التَّبكيت لقاتِلها ". وقد استدلَّ ابن عبَّاس بهذه الآية على أنَّ أطفال المشركين في الجنَّة إن صحَّت الرِّواية عنه؟!.
ممَّا تقدَّم يتَبيَّن أنَّ الاختلاف واضحٌ جليٌّ، والتَّعارض واقعٌ ملموسٌ، ولا يمكن إزالته بكلمةٍ أو جملةٍ، وقد خاض العلماء في هذين النَّصَّين لمحاولة التَّوفيق بينهما والتَّقريب بين مدلوليهما، فبعضهم اكتفى بالنَّظر إلى الأسانيد فحسب وحكم من خلالها بضعف الحديث، وبعضهم خاض في المتن لدفع الاستشكال عنه.
وقد توسَّع الدَّارقُطنِي (1) في إيراد أسانيد الحديث ليُبيِّن اختلافها واضطرابها، والكشف عن عللها وضعفها، وكذا فعل البُخاريُّ (2) عندما روى الحديث.
فذكر الدَّارقُطنِيُّ أن هذا الحديث روي مرسلاً عن الشَّعْبيِّ، وروى عن الشَّعْبيِّ عن علْقَمة، عن عبد الله بن مسعود، واختُلف فيه عن ابن مسعودٍ في رواياتٍ كثيرةٍ. ورُوي مُتَّصلاً عن الشَّعْبيِّ عن ابني مُلَيْكَة، واخْتُلف فيه عن ابنيْ مُلَيْكَة كذلك، فبعضهم أدخل عَلْقَمة بين الشَّعْبيِّ وبينهما، وبعضهم زاد كذلك ابن مسعود، إلى غير ذلك من الوجوه الكثيرة الّتي ذكرها الدَّارقُطنيُّ، ونبَّه على أغلبها البُخاريُّ.
وهذا التَّلوُّن الشَّديد في الحديث مع اتِّحاد مخرجِهِ يُسوِّغ قول من ضعَّفَهُ وردَّه بمخالفة الأَحاديث الصَّحيحة ومفهوم الآيات.
ولهذا فقد قال ابن الوزير (3): “وقد بالَغتُ بالبحث عن صحَّة هذا الحديث حتَّى وجدتُ ما يمنع القطع بصحَّتهِ، فسقط الاحتجاج به وللّه الحمد (4).
مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة، ط الأولى 1414هـ/1993، وذكر البخاري في "التاريخ الكبير":4/ 73 عدة طرقٍ للحديث، وذكر الدَّار قُطني في "العلل":5/ 162 - 164 عددًا من الطُّرق ليثبت اختلاف الحديث واضطرابة لكنه لم يسق الأسانيد.
(1) العلل: 5/ 162 - 165.
(2) التاريخ الكبير: 4/ 72 - 73.
(3) هو محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضي، الحسني القاسمي، أبو عبدالله، المعروف بابن الوزير من علماء اليمن المبرِّزين المُحقِّقين، له كتبٌ نفائس، منها: "إيثار الحق على الخلق"، "والعواصم والقواصم في الذَّبِّ عن سنَّة أبي القاسم" و "تنقيح الأنظار" في علم المصطلح وغيرها، توفي سنة (840هـ/1436م).
والحديث المقصود هو حديث سَلَمة بن يزيد الجُعْفِيِّ وأخيه، إذ هو الوحيد الَّذي ظهر أنَّه ذو إسنادٍ لا بأس به، كما قال ابن القَيِّم (5).
أمَّا باقي الأحاديث الَّتِي تنُصُّ على دخول أطفال المشركين النَّار فهي ضعِيفةٌ، كما قال السُّبكِيُّ (1) واستثنى حديث سلمة بن يَزِيدٍ، وقال: " فإنَّه صحيح الإسناد، لكنَّهُ غير عامٍّ، وإنَّما هو نصٌّ في موؤدةٍ بعينها، فاحتمل التَّأويل.
ولو ترجَّحَ ضعف الحديث على صحَّتِهِ لاكتفيت بإيراد ما أوردت، ولاستغنيت عن إيراد الأوجه والاحتمالات الّتي يمكن أن يُحمل الحديث عليها، كما أنَّ الحديث لم يصل إلى المرتبة العُليا من الصَّحيح.
ولهذا فسأذكر بعض الأقوال في توجيهِهِ، وقد تكون هذه الأقوال قريبةً لكنَّنِي لا أتبنَّاها، أو تكون ضعيفةً فأُنبِّه عليها.
قال ابن عبد البَرِّ (2) عن الحديث - أي حديث ابني مُلَيْكة -: "وهو صحيح الإسناد، إلاَّ أنَّه مُحتملٌ أن يكون خرج على جواب السَّائل في عينٍ مقصودةٍ، فكانت الإشارة إليها، وهذا أولى ما حُمل عليه هذا الحديث لمعارضةِ الآثار له، وعلى هذا يصحُّ معناه واللّه أعلم".
¥