تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أحدها: هو أنَّ هذا الخبر يتضمن الجبر والتَّشبيه، لأنَّنا لا نرى القمر - إلاَّ مُدوَّراً عالياً مُنوِّراً، ومعلومٌ أنَّه لا يجوز أن يُرى القديم تعالى على هذا الحدِّ، فيجب أن نقطع على أنَّه كذبٌ على النَّبيِّ - صلّىالله عليه وسلّم - وأنَّه لم يقله، وإنْ قاله، فإنَّه قاله حكايةً عن قومٍ كما ذكرنا.

والطَّريقه الثَّانية: هو أنَّ هذا الخبر يُروى عن قيس بن أبي حازمٍ، عن جرير بن عبد الله البَجَلي، عن النَّبيِّ - صلّى الله عليه وعلى آله - وقيس هذا مطعونٌ فيه من وجهين:

(3) فضل الاعتزال: 159

(1) ص 268 - 270.

(2) كذا في المطبوعه، وأظنُّ الصَّواب:" الحيِّز " إذ لا معنى لذكر الجبر في الموطن الثاني، أمَّا قوله الخبر في الموطن الأول فلا معنى له ولا يفهم.

أحدهما، إنَّه كان يرى رأي الخوارج، يروى أنَّه قال: منذ سمعت علياً على منبر الكوفه يقول: أُنظروا إلى بقيَّة الأحزاب - يعني أهل النَّهروان - دخل بُغضُه قلبي، ومن دخل بغض أمير المؤمنين قلبه فأقلُّ أحواله أن لا يعتمد على قوله ولا يحتجَّ بخبره.

والثَّاني: قيل إنَّه خُولط في عقله آخر عمره، والكتبة يكتبون عنه على عادتهم في حال عدم التَّمييز، ولا ندري أنَّ هذا الخبر رواه وهو صحيح العقل أو مختلط العقل ......

وأمَّا الطَّريقة الثَّالثة: هو أن يُقال: إن صحَّ هذا الخبر وسلم، فأكبر ما فيه أن يكون خبرًا من أخبار الآحاد، وخبر الواحد مما لا يقتضي العلم، ومسألتنا طريقها القطع والثَّبات، وإذا صحَّت هذه الجمله بطل ما يتعلَّقون به. ثمَّ إنَّ هذا الخبر مُعارَضٌ بأخبارٍ رُويت منها ما روى (1) أبو قُلابه عن أبي ذرٍّ أنَّه قال للنَّبيِّ: هل رأيت ربك؟ فقال: " نُورٌ هُو أنَّى أرَاهُ " أي: أنورٌ هو؟ كيف أراه؟.

وقد تكفَّل الإمام أبو الحسن الأشعري (2) بردِّ الحجج العقليَّة وتأويلات المعتزله، وتوسَّع في ردِّها.

أمَّا ما استشهد به لتضعيف الحديث بتوهين قيس بن أبي حازمٍ فهو غير مُسلَّمٌ، وإن سُلِّم فإنَّ صنيع عبد الجبار يُشعر بأنَّ الحديث يدور على قيسٍ هذا، والحال ليس كذلك، إذ أنَّ ذكر قيس بن أبي حازمٍ لم يَرِد إلاّ في رواية جريرٍ، والحديث رواه غير جرير من الصَّحابة، أوصلهم الكتَّانيُّ إلى (28) صحابياً فالحديث متواترٌ. ورواية جريرٍ أيضاً لا تدورعلىقيس عنه، إذ رواه الدَّارقُطنيُّ (3) عن يزيد بن جرير عن أبيه، وعن إبراهيم ابن أخي جريرٍ عن جرير

(1) أخرجه مسلم،الإيمان /78: 1/ 161 رقم (178)، والتِّرمِذيُّ،تفسير القرآن /54: 5/ 396 رقم (3282) وأحمد في "المسند ": 5/ 157، 171،175، وأبو عوانة في "المسند ": 1/ 146 - 147، وابن خُزَيمة في"التوحيد " 205 - 207، والدَّار قطنيُّ في " الرؤية ": 343 - 344، وابن منده في " الإيمان ": 2/ 746 - 747.

(2) انظر: الإبانة عن أُصول الدَّيانة: 65 - 84، تقديم: حماد الأنصاري، مطبوعات الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة 1405 هـ، وانظر كذلك: أبو شامة: ضوء الساري إلى معرفة رؤية الباري، تحقيق: د. أحمد عبد الرحمن الشريف، دارالصحوة - القاهرة.

(3) الرؤية: 248 - 249 أحاديث رقم (149،150،151) تحقيق: إبراهيم محمد العلي، وأحمد فخري الرفاعي، مكتبة المنار - الزرقاء، ط الأولى 1411 هـ / 1990 م.

بإسنادين ضعيفين، ورواه عن عُبيد الله بن جرير عن أبيه بإسنادٍ قويٍّ. فأيُّ حُجَّةٍ بعد ذلك في الاقتصار على رواية قيسٍ وجعلها حجر الرَّحى في المسأله؟؟.

وحديث قيس بن أبي حازم عن جرير مخرَّجٌ في الصَّحيح، وقيسٌ هذا قال عنه الذَّهبي (4): " ثقةٌ حجَّةٌ كاد أن يكون صحابياً، وثَّقة ابن معينٍ والنَّاس، وقال علي بن عبد الله عن يحيى بن سعيد: مُنكر الحديث، ثمَّ سمَّى له أحاديث استنكرها فلم يصنع شيئاً، بل هي ثابتةٌ، لا يُنكر له التَّفرُّد في سعة ما روى ... ، ثمَّ قال: قلت: أجمعوا على الاحتجاج به، ومن تكلَّم فيه فقد آذى نفسه، نسأل الله العافية وترك الهوى ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير