وقال ابن حجرٍ (1) عند تعرُّضه للرُّواة المتكلَّم عليهم في صحيح البُخاريِّ:" احتج به الجماعه، ويقال إنَّه كبر إلى أن خرف، وقد بالغ ابن معين فقال: هو أوثق من الزُّهريِّ، وقال يعقوب بن شَيْبة تكلَّم أصحابنا فيه، فمنهم من رفع قدره وعظَّمه وجعل الحديث عنه من أصحِّ الأسانيد، ومنهم من حمل عليه وقال: له أحاديث مناكير، ومنهم من حمل عليه في مذهبه، وأنَّه كان يحمل على عليٍّ، والمعروف عنه أنَّه كان يُقدِّم عثمان، ولذلك كان يتجنب كثيرٌ من قدماء الكوفيين الرِّاوية عنه، قلت: فهذا قول مبيَّنٌ مفصَّلٌ ".
أمَّا عن اختلاطه فقد ذكره غير واحدٍ، وبخاصَّة من صنَّف في هذا الفنِّ (2) إلاّ أنَّهم ذكروا أنَّ من تكلَّم في اختلاطه وأثبته هو اسماعيل بن أبي خالدٍ، راوي حديث الرُّؤية عنه فهل يُعقل أن يُؤرِّخ لاختلاط الرَّجل ثمَّ يروى عنه؟؟ ولهذا فيمكن الجزم بأنَّ رواية إسماعيلٍ عن قيسٍ كانت قبل اختلاطه،والله أعلم.
وبالنِّسبة لانتقاد عبد الجبار الثَّالث أنَّه حديث آحادٍ، فإنَّ هذا غير مُسلَّمٍ بما قدَّمته عن الكتَّانيِّ من ورود هذا الحديث عن (28) صحابياً، فهو متواترٌ.
(4) ميزان الاعتدال: 3/ 392 - 393.
(1) هدي الساري مقدمة فتح الباري: 436.
(2) انظر: ابن سبط العجمي- الاغتباط لمعرفة من رمي بالاختلاط:رقم 75،تحقيق علي حسن عبد الحميد، الوكالة العربية للتوزيع -الزرقاء - الأردن، وانظر كذلك: ابن الكيَّال: الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواه الثقات: 374 - 381 تحقيق: عبد القيوم عبد رب النبي، دار المأمون - دمشق، ط الأولى 1401 هـ / 1981 م.
ولقد صنَّف غير واحدٍ من العلماء (3) مصنفاتٍ جمعوا فيها أحاديث الرُّؤية وأوصلوها إلى درجة التَّواتر ردَّاً على ادِّعاء المعتزلة.
وبهذا يظهر أنَّ هذا الحديث غير متعارضٍ مع قاعدة التَّنزيه، وأنَّ قياسهم على الذي يرى يجب أن يكون جسماً قياسٌ فاسدٌ، قاسوا فيه الغائب عنهم على الشَّاهد،وهو قياسٌ فاسدٌ باتِّفاقٍ.
المطلب الثَّاني: القَدَر وأفعال العباد.
مسألة القدر إثباته أو نفيه، أو المبالغة في الإثبات مسألة شغلت الفكر الإسلاميَّ في القرنين الثَّاني والثَّالث، وتفرَّع عن ذلك عدَّة مدارس، وما يهمنا هنا الإشارة إلى مدرستين على طرفي نقيضٍ في تناول هذه المسأله، وكان لهما الأثر البالغ في فهم النُّصوص والتَّعامل معها.
المدرسه الأُولى: الجبريَّة، والجبر (1): هو نفي الفعل حقيقة عن العبد وإضافته للرَّب تعالى، وهم أصنافٌ:
فالجبريَّة الخالصة: لا تُثبت للعبد فعلاً ولا قدرةً على الفعل أصلاً.
والجبريَّة المتوسِّطة:هي التي تثبت للعبد قدرةً غير مؤثِّرةٍ أصلاً.
أمَّا القدريَّة فهم على النَّقيض من الجبريَّة، إذ يُنفون القدر ويجعلون العبد مختاراً لأفعاله مُحدِثاً لها وليس الله- سبحانه وتعالى- هو الّذي خلقها فيه، وروى مُسلمٌ (2) في صحيحه عن
(3) فقد صنف فيه الآجري، كتاب التَّصديق بالنظر إلى الله، وطبع هذا الكتاب ضمن الشَّريعه له من ص 251 - 270. وقد روى الحديث عن أحد عشر صحابياً وهم: جرير، وأبو هريره، وأبو سعيد، وأبو رَزين، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وأنس، وجابر، وابن عمر، وعدي بن حاتم. والدَّار قطني وله كتاب الرؤيه وروى الحديث فيه عن (19) صحابياً، استوعب فيه من ذكرهم الآجري وزاد: أبا أُمامة الباهلي،وصهيب، وعمَّاربن رويبة، وعمَّار بن ياسر، وأُبي بن كعب، بَرِيدة بن الحُصيب الأسلمي، عبد الله بن عَمرو، لَقِيط بن عامر بالإضافة إلى الآثار الكثيرة عن الصَّحابة والتَّابعين في هذه المسألة. =
=وصنَّف فيه كذلك ابن النَّحَّاس مصنَّفاً صغيراً، وهو مطبوع في مجلة الجامعة الإسلامية عدد (50،51،52) سنة 1401 هـ بتحقيق محفوظ الرحمن السلفي.
وصنف غيرهم مصنفات لم أتحرَّى استيعابها، ولكن ذكر عدداً منها محققا الرؤيه للدَّار قطني، ومحقق الرؤيه لابن النَّحَّاس وروى أحاديث الرؤيه بتوسُّعٍ ابن خُزَيمة في التوحيد: 167 - 230.
(1) انظر: الشَّهْرستانيُّ - الملل والنحل: 85.
¥