تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يحي بن يَعْمرٍ قال: كان أوّل من قال في القدر بالبصره مَعبد الجُهَني، فانطلقت أنا وحميد ابن عبد الرَّحمن الحِمْيري حاجِّين أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فوُفِّق لنا عبد الله بن عمر بن الخطَّاب داخلاً المسجد ..... فقلت: أبا عبد الرَّحمن، إنَّه قد ظهر قِبَلَنا ناسٌ يقرؤون القرآن، ويتقَفَّرُون (4) العلم، وذكر من شأنهم،وأنَّهم يَزْعُمون أن لا قدر،وأنَّ الأمر أُنُفٌ (1). قال: فإذا لقيت أُولئك فأخبرهم أنِّي بريءٌ منهم، وأنَّهم برءآء مِنِّي.

وقد تلقَّف المعتزلة هذه المقولة-أي لا قدر وأنَّ الأمر أُنُف- وجعلوها أصلاً من أُصولهم، وذهبوا إلى أنَّ العبد يخلق أفعال نفسه، قال الكَعْبيُّ (2): " وأجمعوا على أنَّ الله لا يحبُّ الفساد، ولا يخلق أعمال العباد، بل العباد يفعلون ما أُمروا به ونُهوا عنه ".

وينطلق المعتزلة من فلسفةٍ تقول: إنَّ الله لو قدَّر على العباد ما سيفعلونه منذ الأزل لظلمهم، إذ أنَّه اختار لهم أفعالهم، والله لا يفعل الظُّلم، قال القاضي عبد الجبار (3):" وأحد ما يدل على أنَّه تعالى لا يجوز أن يكون خالقاً لأفعال العباد هو أنَّ في أفعال العباد ما هو ظلمٌ وجَورٌ فلو كان الله خالقاً لها لوجب أن يكون ظالماً جائراً، تعالى الله عن ذلك عُلوَّاً كبيراً ".

وبناءً على ذلك فقد نفوا علم الله المُسبق بالأُمور، وقالوا إنَّ الله يعلمها بعد حدوثها!! فلا غرابة إذاً إن وجدناهم يرفضون أحاديث بحجَّة أنَّها مناقضةٌ لأصل العدل عندهم، وبخاصَّةٍ إذا كانت تلك الاحاديث تدلُّ على تقدير الأفعال، أو علم الله المُسبق بكلِّ شيءٍ، وما يتدرج تحت هذين الأمرين.

والكلام على تعارض الحديث مع قاعدةِ القدر سيتَّخذ طريقين:

(2) الصحيح،الإيمان /باب1:1/ 36 - 37 وأخرجه كذلك:أبو داود، السنة /الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه:4/ 223 - 224 رقم (4695)، والتِّرمِذي،الإيمان / 4ما جاء في وصف جبريل للنبي ?:5/ 6 - 7 رقم (2610،وأحمد في "المسند":1/ 52 - 53،وابن حِبَّان كما في "الإحسان":1/ 389 - 391 رقم (168)،وابن منده في "الإيمان":1/ 133 - 135 رقم (8) و1/ 137 - 139 رقم (9)،والبَيْهقي في "الاعتقاد":54 - 55.

(4) تقفَّر الشيء: تطلَّبه. انظر: ابن الأثير - النهايه: 4/ 90.

(1) أي مستأنف استئنافا من غير أن يكون سبق به سابق قضاء وتقديرٍ، وإنَّما هو مقصورٌ على اختيارك ودخولك فيه. انظر ابن الاثير - النهايه: 1/ 75.

(2) المقالات:63.

(3) شرح الاصول الخمسه: 345.

أوّلاً:توهُّم تعارض الأحاديث مع ما يُوهم الجبر ونفي اختيار العبد، إذ سبق أن بيَّنت أنَّ الجبريَّة ينفون قدرة العبد، وبالتَّالي فهم يقولون بأنَّ العبد مجبٌر على أفعاله، وليس له أيُّ اختيارٍ في أفعاله، وعلى النَّقيض منهم المعتزله ومن وافقهم من القَدَريَّة - الَّذين ينفون تصرُّف الله في إدارة أعمال العباد، وبالتّالي ينفون علمه بالأعمال قبل وقوعها، ومعلومٌ أنَّ هاتين النَّظرتين للقدر على قَدْرٍ من الخطأ ومجانَبَةِ الصَّواب، ومع ذلك فقد جاءت بعض الأحاديث كأنَّها تؤيِّد إحدى هاتين النَّظرتين مع ما فيهما من الخطأ، ومن أمثلة ذلك ما رواه الإمام مسلم في " صحيحه " (1) عن عبد الله بن عَمرو بن العاص، قال: سمعت رسول الله -صلّىالله عليه وسلّم- يقول: " كَتَبَ الله مَقَادِيرَ الخَلائِقِ قبل أنْ يخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بخَمْسِيَن ألفَ سَنَةٍ،قال: وَعَرْشُهُ عَلى المَاءِ ".

ومن الأمثلة على هذا أيضاً ما رواه الشَّيخان (2) -والّلفظ لِمسلمٍ - عن أبي هُريرة أنَّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- قال: " تَحَاجَّ آدمُ وَمُوسَى فَحَجَّ آدمُ مُوسَى، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أنْتَ آدمُ الَّذِي أغْوَيْتَ النَّاسَ وأخْرَجْتَهُمْ مِنَ الجَنَّةِ! فَقَالَ آدمُ: أنْتَ الّذِي أعْطَاهُ اللهُ عِلْمَ كُلِّ شَيءٍ واصْطَفَاهُ عَلى النَّاسِ بِرِسَالَتِهِ؟ قَالَ: نَعَم، قَالَ: فَتَلُومَنِي عَلَى أمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أنْ أُخْلَقَ؟ ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير