تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إحداهما: الإيمان بأنَّ الله - تعالى - سبق في علمه ما يعمله العباد من خيرٍ وشرٍّ، وطاعةٍ ومعصيةٍ، قبل خلْقِهم وإيجادهم، ومن هو منهم من أهل الجنَّة، ومَنْ مِن أهل النَّار وأعد لهم الثَّواب والعقاب جزاءً لأعمالهم قبل خلقهم وتكوينهم، وأنَّه كتب ذلك عنده وأحصاه، وأنَّ أعمال العباد تجري على ما سبق علمه وكتابه.

والدَّرجه الثَّانيه: أنَّ الله - تعالى - خلق أفعال عباده كلِّهم من الكفر والإيمان، والطَّاعة والمعصية، وشاءها منهم ".

إذًا علينا أن نعلم أنَّ الله - سبحانه - سبق في علمه كلّ شيءٍ وهذا يتوافق مع طبيعة علمه تعالى المطلق، الّذي شمل الماضي والحاضر والمستقبل، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون. ثمَّ إنَّه تعالى هو خالق الأعمال ومقدرها، لا العبد. ولا يستطيع عاقلٌ إذا ارتكب معصيةً أن يقول إنَّي أخلق أفعال نفسي وأُريدها، وليس لله تدخُّلٌ فيها ألاّ علمها بعد وقوعها.

فالعبد يقوم بالفعل حقيقة ويختاره، ويفكِّر ويتأمَّل وقد يُقْدِم وقد يُحْجِم قبل أن يفعل دون أن يقهره أحدٌ أو يجبره على ما لا يريد، لتقوم عليه الحجَّة باختياره إن اختار السُّوء أو يُجازى بالحسنى إن فعل حسناً، مع الإيمان بأنَّ كلَّ ما يفعله المرء معلومٌ لله قبل خلق الخلق، مقدَّرٌ منه سبحانه، علماً وتقديراً لا يداخله ظلمٌ ولا حَيْفٌ، فمعرفة الله وعلمه بأفعال العباد وخلقها لهم، ليست من باب الإجبار، وإنَّما تفهم عند محاولة تصوُّر عظمة علم الله، فخالق الخلق أدرى بما سيفعلون وماذا سيختارون، وإلى أين سيصيرون.

وبناءً على ذلك فإنَّ الله سبحانه منذ خلق آدم، أو قبل أن يخلق آدم علم ماذا سيقترف آدم وماذا سيفعل، ليس لأنَّه أجبره، بل لأنَّه عالم بتكوينه، وبمقدار مجاهدته لنفسه ودفعها عن

(3) انظر: ابن رجب الحنبلي - جامع العلوم والحكم: 1/ 103.

الخطأ والزَّلل، إذ إنَّه سبحانه قد حذره من الأكل من الشَّجره. {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُوْنَا مِنَ الظَّالِمِين} (1) فليس من المعقول في حقِّ العبد السَّويِّ، فضلاً عن المولى عزوجل أن يحذِّر شخصاً ما من شيءِ ثمَّ يحوك له المؤامرات ليجبره على اقتراف ما حذَّر منه. فالاحتجاج بالقدر متساقطٌ لأنَّه لم يجبره عليه، أمَّا إن قال الإنسان أنَّه معلومٌ لله فهو الَّذي قدَّره عليّ فيُقال له كما قال الله تعالى في مجادلة جبريَّة المشركين عندما قالوا {لَو شَاءَ الله مَا أشْرَكْنَا نَحْنُ وَلا آبَاؤنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيءٍ} (1) فقال الله تعالى: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوُهُ لَنَا إنْ تَتَّبِعُونَ إلاّ الظَّنَّ وَإنْ أنْتُم إلاّ تَخْرُصُوُن} (2).

فهذه الآية ردٌّعلىكلِّ جبريٍّ،بأن يُخرج لنا ما علم عن أفعاله ومصيره، وليس بفاعلٍ. ويقال للقدريِّ أيضاً إن كنت خالقاً لفعل نفسك دون تقديرٍ من الله فأخبرني ماذا ستفعل بعد حين من الأفعال المخلوقه لك، غير المقدَّرة أو المعلومة لله، فلن يفعل.

أمَّا ما تمسَّكُوا به من أنَّ موسى كان قدريا، وأنَّ آدم كان جبريَّاً عندما احتج بالقدر فهو داحضٌ، وقد أعجبني كثيرا جواب ابن تيميَّة على ذلك حين قال: (3) " لم يكن آدم - عليه السَّلام - محتجَّاً على فعل ما كُفي عنه بالقدر، ولا كان موسى ممن يحتجُّ عليه بذلك فيقبله، بل آحاد المؤمنين لا يفعلون مثل هذا، فكيف آدم وموسى؟.

وآدم قد تاب ممَّا فعل واجتباه ربه وهداه، وموسى أعلم بالله من أن يلوم من هو دون نبٍّي على فعلٍ تاب منه، فكيف بنبيٍّ من الأنبياء؟ وآدم يعلم أنَّه لو كان القدر حجَّة لم يحتج إلى التَّوبة ولم يجر ما جرى من خروجه من الجنَّة وغير ذلك، ولو كان القدر حجَّةً لكان لإبليس وغيره، وكذلك موسى يعلم أنَّه لو كان القدر حجَّة لم يعاقب فرعون بالغرق .... وإنَّما كان لوم موسى لآدم من أجل المصيبة التي لحقتهم بآدم من أكل الشَّجرة، ولهذا قال: لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنَّة؟ والّلوم لأجل المصيبة التي لحقت (الإنسان نوع) (4) ".

(1) سورة البقره:35.

(1) سورة الأنعام: 148.

(2) سورة الانعام: 148.

(3) مجموع الفتاوى: 8/ 325.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير