تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال ابن تيميَّة (1):بعد أن ذكر الاختلاف في الدُّعاء هل هو سببٌ أو شرطٌ إلى غير ذلك: "والصَّواب ما عليه الجمهور من أنَّ الدُّعاء سببٌ لحصول الخير المطلوب، أو غيره كسائر الأسباب المقدَّرة المشروعة، وسواء سمِّي سبباً أو شرطاً، أوجزءً من السَّبب فالمقصود هنا واحدٌ، فإذا أراد الله بعبده خيراً ألهمه دعاءه والاستعانة به، وجعل دعائه واستعانته سبباً للخير الّذي قضاه له ..... كما أنَّ الله إذا أراد أن يُشبع عبداً أو يرويه ألهمه أن يأكل أو يشرب، وإذا أراد الله أن يتوب على عبدٍ ألهمه أن يتوب فيتوب عليه ..... فمبدأ الأُمور من الله وتمامها من الله، لا أنَّ العبد نفسه هو المؤثِّر في الرَّبِّ، أو في ملكوت الرَّبِّ، بل الرَّب -سبحانه- هو المؤثِّر في ملكوته، وهو جاعل دعاء عبدا سببا لما يريده سبحانه من القضاء، كما قال رجلٌ للنَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم -: يا رسول الله، أرأيت أدويةً نتداوى بها، ورقىً نَسْترقِي بها، وتُقىً نتَّقِيها: هل تردُّ من قّدَر الله شيئاً؟ قال: " هِيَ مِنْ قَدَر الله ". (2)

إذاً فالدُّعاء لدفع مكروهٍ أو تحصيل مرغوبٍ إنَّما هو قدرٌ أيضاً، ويصحُّ أن نقول في هذا ما تقدَّم في مسألة زيادة العمر،بأنَّ دفع القضاء إنَّما يكون بالدُّعاء فلولا أنَّ المرء دعا الله لدفع المكروه لوقع، فكأنَّه قُدِّر عليه كذا إن دعا وكذا إن لم يَدْعُ، فارتباطهما كارتباط السَّبب بالمسبب، والله اعلم.

المطلب الثَّالث: المؤمن وارتكاب الكبيره.

(3) شفاء العليل: 56، مكتبة التراث - القاهره، سنة 1975 م.

(1) اقتضاء الصراط المستقيم: 358 - 359.

(2) أخرجه التِّرمذيُّ،الطب /21 ما جاء في الرقى: 4/ 399 - 400 رقم (2065)، والقدر /12 ماجاء لايرد القدر الرقى ولا الدواء: 4/ 453 - 454 رقم 2148، وابن ماجه،الطب /31 ما أنزل الله داءً إلا وأنزل له شفاءً: 2/ 1137 رقم (3437)، وأحمد في " المسند ": 3/ 421.

حرص الإسلام على أن يكون المرء المسلم نموذجاً ومثالاً للاستقامة والتَّقوى، فخطَّ له الطَّريق، وأوضح له السُّبُل، وبيَّن الله طريق الهداية والرَّشاد ورغَّب فيها، كما بيَّن طريق الغِواية والضَّلال وحذر منها ورغَّب عنها.

وأعمال المرء في حياته تتردَّد بين الاقتراب من طريق الهدايه (الإيمان)، وبين طريق الغوايه والضَّلال (الكفر) وهذه الأعمال تتنوَّع إلى صغائر ولمَمٍ، وإلى كبائر مهلكاتٍ.

والصَّغائر تكفِّرها الصَّلاة والأعمال الصَّالحة،وهي لا يكاد يخلو منها مؤمنٌ قال تعالى: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرُ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (1) وقال: {الّذِين يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ وَالفَوَاحِشَ إلاّ الّلمَمُ} (2) وقال - صلّى الله عليه وسلّم -: " الصَّلواتُ الخَمْسُ، وَالجُمُعَةُ إلى الجُمُعَة، وَرَمَضَانَ إلى رَمَضَانَ، مُكَفِّراتٌ لمَا بَيْنَهُنَّ إذَا اجْتَنَب الكَبَائِرُ " (3) فالصَّغائر إذاً شأنها يهون إذا اقترنت باستغفارٍ وإحداثٍ للطَّاعات، أمَّا الكبائر فشأنها آخر، والكلام فيها يتفرَّع، والمذاهب تتنوَّع.

فمنها ما هو مُفْرِطٌ في التَّشديد يرى أنَّ مرتكب الكبيرة قد فارق اسم الإيمان وانتقل إلى غيره، ومنها ما هو مفرِّطٌ متساهلٌ يرى أنَّ مرتكب الكبيرة مؤمنٌ ويكفيه التَّصديق بالقلب: إذ لا تضرُّ مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعةوبينهما مذاهب.

وتحصَّل من استقراء مذاهب الفرق في هذه المسأله بالنَّظر إلى الاسم والمثال ما يلي:

فرقة ترى أنَّ مرتكب الكبيرة كافرٌ مخلَّدٌ في النَّار وهذا قول الخوارج (4) وذهبت الإباضيَّة منهم إلى أنَّ ارتكاب الكبيرة كفر نعمةٍ (5)،ولكنَّه يوجب تخليداً في النَّار كما قال

(1) سورة النساء: 31.

(2) سورة النجم: 32.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير