تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ففيما يخصُّ دلالة الآيه على المصلحه قال ابن عاشور (1):" فهذه الآية استئنافٌ لبيان كون الكتاب تبياناٌ لكلِّ شيءٍ، فهي جامعة لأُصول التَّشريع " وقال: " والعدل إعطاء الحقِّ لصاحبه، وهو الأصل الجامع للحقوق الرَّاجعة إلى الضَّروري والحاجِّيِّ، من الحقوق الذَّاتيَّة وحقوق المعاملات ". وقال " ونهى الله عن الفحشاء والمنكر والبغي وهي أُصول المفاسد ". فالآية جاءت إذاً ببيان المصالح والمفاسد، فأمرت بالأوّل ونهت عن الثّاني.

أمَّا دلالة الحديث فهي واضحةٌ بيِّنةٌ، قال ابن رجبٍ (2): " وممّا يدخل في عموم قوله - صلّى الله عليه وسلّم -: لا " ضرر " أنَّ الله لم يكلِّف عباده فعل ما يضرهم ألبتة، فإنَّ ما يأمرهم به هو عين صلاح دينهم ودنياهم، وما نهاهم عنه هو عين فساد دينهم ودنياهم ".

وقال الهَيْتَميُّ (3): " إنَّ معنى الحديث ما مرَّ من نفي سائر أنواع الضَّرر والمفاسد شرعاً إلاّ ما خصَّه الدَّليل، وإنَّ المصالح تُراعي إثباتاً، والمفاسد تُراعي نفياً لأنَّ الضَّرر هو المفسدة، فإذا نفاها الشَّرع لزم إثيات النَّفع الّذي هو المصلحة " (4).

وللمصالح ضوابط يجب أن تتوفَّر فيها حتَّى تُعدَّ مصلحةً مُعتبرةً، وقد فصَّلها الدكتور البُوطي (1) وأسهب في شرحها، وأنا أذكرها على الإجمال:

" 1 - اندراجها في مقاصد الشَّريعة.

2 - عدم معارضتها للكتاب.

3 - عدم معارضتها للسُّنَّة.

4 - عدم معارضتها للقياس.

5 - عدم تفويتها مصلحةً أهمَّ منها."

(1) التحرير والتنوير: 14/ 244، 257.

(2) " جامع العلوم والحكم ": 2/ 223.

(3) هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن حَجرٍ الهَيْتمي السَّعدي، الأنصاري، من مواليد صعيد مصر، ذهب إلى جامع الأزهر فلقي كبار العلماء وتفقَّه بهم، له عددٌ من المصنَّفات، منها: شرح الأربعين، وشرح المنهاج وغيرهما، توفي -رحمه الله - سنة (973 هـ /1566 م).

انظر ترجمته: ابن العماد - شذرات الذهب: 8/ 370 - 372، والعَيْدروسي - النور السافر: 258 - 263، الغزِّي - الكواكب السائرة: 3/ 111 - 112، والشَّوكاني - البدر الطالع:1/ 109، والزِّركلي- الأعلام: 1/ 234.

(4) انظر: الفتح المبي شرح الأربعين: 237، دار الكتب العلمية - بيروت 1398هـ/1978م.

(1) ضوابط المصلحة: من ص 107 - إلى ص 279.

فالمصلحة إذا كانت تعارض نصَّاً فهي غير مُعتبرةٍ، وهذا هو الصَّواب لكنَّنا وجدنا خلاف هذا عند بعض العلماء نظريَّاً وعمليَّاً، إضافةً إلى أنَّي قد وجدت بعض الأحاديث تتعارض والمصلحة.

ذكر أغلب الكاتبين في موضوع المصلحة أنَّ الطُّوفي كان له رأيٌ خاصٌّ في المصلحه عرَّفه أثناء شرحه لحديث: " لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارٌ ". من شرحه للأربعين حيث ذهب لتقديم المصلحة على النَّصِّ، فقال (2): " وأمَّا معناه (أي الحديث) فهو ما أشرنا إليه من نفي الضَّرر والمفاسد شرعاً وهو نفيٌ عامٌّ إلاّ ما خصَّصه الدَّليل، وهذا يقتضي تقديم مقتضى هذا الحديث على جميع أدلَّة الشَّرع، وتخصيصها بها في نفي الضَّرر وتحصيل المصلحة ". وقد تكفَّل غيري بردِّ هذه الدَّعوى فلا أتشاغل بردِّها لئلا أخرج عن مقصود البحث.

فالمصلحة تنطلق من النُّصوص، ويمكن فهمها حسب مقاصد الإسلام العظيمة الكبرى، المستمدَّة من النُّصوص الشَّرعيَّة، ولهذا فلا يُعقل أن نقبل قول من يقدِّم المصلحة على النَّص، وبخاصَّةٍ إذا كانت دلالة هذا النَّصِّ قطعيَّةً لا يدخلها تأويلٌ أو تخصيصٌ أو تقييدٌ.

أمَّا فهمها حسب مقاصد الشَّريعه فقد تعرَّضت لذكره قبل قليلٍ عندما نقلت في شروط المصلحة أو ضوابطها: اندراجها تحت مقاصد الشَّريعة، ومقاصد الشَّريعة كما هو معروفٌ تنقسم إلى اقسام،وما يهمُّني هنا أن أُبيِّن أنَّ الشَّريعة راعت مصالح العباد فيما يتعلَّق بحفظ دينهم، وحفظ عقولهم، وحفظ أنفسهم، وحفظ أموالهم، وحفظ فروجهم، وهذه المقاصد العُليا للإسلام من أوجب الواجبات لأنَّ الدِّين جاء لتحقيقها، وكذا ما ينبني عليها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير