تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الشَّاطِبي (1): " ومن ذلك أنَّ البناء على المقاصد الأصليَّة ينقل الأعمال في الغالب إلى أحكام الوجوب، إذ المقاصد الأصليَّة دائرة على حكم الوجوب، من حيث كانت حِفظاً للأُمور الضَّروريَّة في الدِّين المُراعاة باتِّفاق ".

وبناءً على ذلك فمخالفة إحدى المقاصد، يدخل في باب النَّهي، إن لم يكن التَّحريم ومع ذلك فقد وجدنا أحاديث قد تتعارض مع ما يُفهم من بعض هذه المقاصد، ومثال ذلك ما رواه مُسلم في "صحيحه" (2): عن أبي هُريرة قال: أتى النَّبيَّ - صلّى الله عليه وسلّم - رجلٌ

(2) الموافقات:2/ 204.

(1) الموافقات: 2/ 204.

(2) الصحيح،المساجد /يجب إتيان المسجد على من سمع النِّداء:1/ 452 رقم (653) وأخرجه كذلك النَّسائيُّ، الإمامة /المحافظة على الصلوات حيث يتأذى: 2/ 109، أبو عَوانة في "المسند ": 2/ 6، والبَيْهقيُّ في "السنن

أعمى فقال: يا رسول الله إنَّه ليس لي قائدٌ يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أن يُرخِّص له فيصلي في بيته، فرخَّص له، فلمَّا ولَّى دعاه فقال: " هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ فقال: نعم، قال: " فَأجِبْ ".

فالظَّاهر من هذا الحديث أنَّه يتعارض مع مقصد حفظ النَّفس، وهي مصلحةٌ مُعتبرةٌ إذ كيف لم يُرخِّص النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلّم - لهذا الأعمى أن يصلي في بيته في حين أعذر الشَّارع أصنافاً من النَّاس بالتَّخلُّف عن الجماعة لأُمورٍ لا تصل من حيث ضررها على النَّفس أو على المال ما يبلغ بهذا الأعمى لو عرض له عارضٌ.

وقد أجاد ابن حِبَّان (3) في استيعاب وتَعداد أصحاب الأعذار الّذين سُمح لهم بالتَّخلُّف عن صلاة الجماعة،مما يوجب النَّظر إلى هذا الحديث مُجتمعاً مع تلك الأصناف الّتي عدَّدها ابن حِبَّان، لنستنتج أنَّ عُذره يُضاهي إنْ لم يكن يفوق أعذار أصنافٍ من هؤلاء، ممّا يُحتِّم علينا التماس بعض الأوجه الّتي يمكن أن يحمل عليها الحديث، ففهم قومٌ أنَّ المُراد بعدم التَّرخيص للأعمى مع بقاء أجر الجماعة.

قال الخَطَّابيُّ (1): " وأكثر أصحاب الشَّافعيِّ على أنَّ الجماعة فرضٌ على الكِفاية، لا على الأعيان، وتأوّلوا حديث ابن أُمِّ مَكْتُوم على أنَّه لا رخصة لك إن طلبت فضيلة الجماعه، وانك لا تحرز اجرها مع التخلف عنها بحال ".

وقال علي القَاري (2): " معناه - أي الحديث -: لا أجد لك رخصةً تُحصِّل لك فضيلة الجماعة من غير حضورها، لا الإيجاب على الأعمى، فإنَّه - عليه السَّلام - رخَّص لعُتْبَان بن مالكٍ (3) في تركها ".

الكبرى ": 3/ 57، وروي بسياقٍ آخر فيه ضعفٌ كما عند أبي داود في " السنن": 1/ 151 رقم (553) والَّنسائي: 2/ 110، وابن ماجه، المساجد /التغليظ في التخلف:1/ 260.رقم (792) وغيرهم.

(3) انظر: الصحيح: 5/ 417 - 442.

(1) معالم السنن: أ1/ 292.

(2) انظر: العظيم ابادي - عون المعبود: 2/ 181، دار الكتب العلمية - بيروت، ط الأولى 1410 هـ /1990 م.

(3) روى البُخاري في " صحيحه ": 1/ 1009 ومُسلمٌ في " صحيحه ": 1/ 455 رقم (658) وما بعده وغيرهما عن عُتْبان بن مالكٍ أنَّه قال: يا رسول قد أنكرت بصري، وأنا أُصلي لقومي، فإذا كانت الامطار سال الوادي الَّذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأُصلي بهم، ووددت يا رسول الله أنَّك تأتيني فتصلي في بيتي فأتَّخذه مصلى، قال: فقال له رسول الله - صلَّى الله عليه وسلّم -: " سَاَفْعَلُ إنْ شَاءَ اللهُ ". ثُمَّ ساق الحديث.

وهذا الفَهم الذي أرتضيه، والّذي يقتضيه مسلك الجمع بينه وبين أحاديث ذوي الأعذار الذين احتجَّ لهم ابن حِبَّان، وبذلك يزول التَّعارض مع هذه القاعده.

المطلب الثَّاني: توهُّم تعارض الحديث مع بعض القواعد والمسائل الأُصوليَّة.

لقد تحدَّثت في المطلب الأوّل عن تعارض الحديث مع بعض الأدلّة المختلف فيها عند الأُصوليين، وكتتمَّةٍ لذلك رأيت أن أتعرَّض الآن لتعارض الحديث مع بعض القواعد الأُصوليَّة المعتبرة، كقاعدة: رفع الحَرَج، وقاعدة عدم تأخير البيان عن وقت الحاجة، وأخيراً التَّعارض مع ما يوهم رفع التَّكليف. وهذا بيان كلِّ ذلك.

أوّلاً: تعارض الحديث مع قاعدة رفع الحرج:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير