تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أمَّا أن يتعارض العقل السَّليم المهتدي بهُدى النَّقل، مع النَّقل الصَّحيح فهذا لا يحدث ولا يكون لأنَّ العقل الصَّريح لا يُناقض النَّقل الصَّحيح كما قرَّر ذلك ابن تَيْميَّه-رحمه الله- (3).

وإذا افترضنا أنَّ العقل تعارض ظاهريَّاً مع النَّقل أو الحديث فإن المنطق يقضي بعدم تقديم أحدهما على الآخر قبل الدِّراسه والبحث.

ولكنَّ بعض المَفْتونين بما يسمُّونه " المعقول" قد انحرفوا عن هذا السَّبيل، فقدَّموا حُكم العقل كالمُعْتزِلة القدماء، وبعض من سار على منهجهم من المُحدَثين الّذين بُهِرُوا بمنهج المُعْتزِلةِ فاستعاروا الفكرة منهم، في حين إنَّهم لم يتعمَّقُوا في النَّقل، بل ولم يُحْكِمُوا حُجَّة العقل أيضاً فأطلقوا كلماتٍ غيرَ مدروسةٍ مُجاراةً منهم لأسلافهم.

(1) انظر: عبد السلام البسيوني - العقلانية هداية أم غِواية: 56 دار الوفاء - المنصوره، ط الأولى 1412 هـ / 1992 م.

(2) المصدر السابق

(3) كما بيَّن ذلك في " موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول " المطبوع بهامش منهاج السُّنَّه النَّبويَّه، مكتبة الرياض الحديثه - الرياض، وطبع كذلك باسم: " درء تعارض العقل والنَّقل " تحقيق: د. محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود، ط الأولى 1399 هـ / 1979 في (11) مجلدا.

يقول محمد عَبْده: (1) " الأصل الأوّل للإسلام النَّظر العقليِّ لتحصيل الإيمان: فأول أساسٍ وُضع عليه الإسلام هو النَّظر العقليِّ ........ " وقال (2): " والأصل الثَّاني للإسلام تقديم العقل على ظاهر الشَّرع عند التَّعارض ...... اتفق أهل المِلَّه الإسلاميَّه إلا قليلاً ممَّن لا يُنظر إليه على أنَّه إذا تعارض العقل والنَّقل أُخذ بما دل عليه العقل ".

ويقول تلميذه محمد رشيد رضا (3): " ذكرنا في المنار غير مرَّةٍ أنَّ الَّذي عليه المسلمون من أهل السُّنَّه وغيرهم من الفِرق المُعتَدِّ بإسلامها أنَّ الدَّليل العقليَّ القَطْعِيَّ، إذا جاء ظاهر الشَّرع ما يخالفه فالعمل بالدَّليل العقلي مُتعَيِّنٌ، ولنا في النَّقل التَّأويل أو التَّفويض ".

وهناك نُقُولٌ كثيرةٌ عن تلاميذ الشَّيخ محمد عبده في هذا الإطار (4).

فروَّاد هذه المدرسه الّتي تُسمَّى بالعَقْليَّة (5)، يرون أنَّ العقل يتقدَّم على النَّقل وما قولهم بالتَّأويل أو التَّفويض إلاّ هُروبٌ ولإرضاء البعض حتَّى لايقال إنَّهم يَرُدُّون ما جاء في الكتاب والسُّنَّه، فالتَّأويل كما سيأتي هو صرف الَّلفظ عن الظَّاهر، أي التَّحكُّم بما جاء عن المولى- عزَّوجلَّ- ورفض ظاهره بحججٍ واهيةٍ، أمَّا التَّفويض فكذلك إذ إنَّنا إذا أردنا أن نفهم التَّفويض كما فهمه السَّلف، فيجب أن نؤمن بما جاء به النَّقل، وإن أشكل ظاهره نفوِّض معناه وكيفيته إلى الله، فبعد تقديم حجَّة العقل كما يقول هؤلاء فأيُّ مكانٍ للتَّفويض يبقي؟

ولهذا فيمكن القول إنَّ مُراد هؤلاء جميعاً تقديم العقل بإطلاقٍ وجعله أساساً كما يقول حسن حنفي: (6) " إنَّ العقل هو أساس النَّقل، وإنَّه كل ما عارض العقل فإنَّه يعارض النَّقل، وكلُّ ما وافق العقل فإنَّه يوافق النَّقل، ظهر ذلك عند المعتزلة وعند الفلاسفة، ....... ، وظهر

(1) الأعمال الكاملة: 3/ 301 تحقيق وتقديم: د. محمد عمارة، دار الشروق - بيروت / القاهرة، ط الأولى 1414 هـ / 1993.

(2) المصدر السابق: وانظر د. فهد الرومي - منهج المدرسة العقلية في التفسير، مؤسسة الرسالة - بيروت، ط ثالثة 1407 هـ.

(3) شبهات النصارى وحجج الإسلام: 71 ط الثانية، المنار - القاهرة 1367 هـ.

(4) انظر: د. فهد الرومي - المصدر السابق: 289 - 292.

(5) يقول الشيخ سلمان فهد العوده:" إنَّ المدرسة العقلية اسم يطلق على ذلك التَّوجه الفكريِّ الَّذي يسعى إلى التَّوفيق بين نصوص الشَّرع وبين الحضارة الغربيَّة والفكر الغربي المعاصر، وذلك بتطويع النُّصوص وتأويلها تأويلاً جديداً يتلائم مع المفاهيم المُستقرةَه لدى الغربيين ".انظر: حوار هادىء مع الغزالي: دون ذكر دار النشر، ط الأولى 1409 هـ.

(6) التراث والتجديد: 119 - 120 دار التنوير - بيروت، ط الأولى 1981 م.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير