تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الواقع في علم الأُصول، ورأينا المصالح المرسلة والاجتهاد، وأنَّ ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسنٌ، وأنَّ الواقع له الأولوية على كلِّ نصٍّ ".

ثمَّ إنَّنا إذا أردنا أن نَحْكُم بتعارض العقل مع الحديث، فإنَّنا نطلب عقلاً خالياً من المُؤثِّرات، سليماً من الآفات، غير متشيعٍ لشيءٍ من الآراء والاعتقادات، وأنّى نجد هذا العقل؟

ولهذا فإنَّي أضع هذه الضَّوابط التي أراها ضروريَّةً حتَّى نقبل دعوى تعارض العقل والنَّقل - ومنه الحديث -.

أوّلاً: لا يُقبل الحكم بتعارض العقل مع الحديث مِمَّن تأثَّر بمواقف مُسبقةٍ، أو انتمى إلى مذاهب فكريَّةٍ مُعيَّنةٍ، وبِخاصَّةٍ إذا تعلَّق ذلك بما يحمله من أفكارٍ.

ثانياً: عالم الغيب يختلف عن عالم الشَّهاده، لذلك لا نستطيع أن نحكم بتعارض العقل مع نصٍّ يتعلَّق بالغيب، بحجَّة أنَّ عقولنا لم تستوعبه، فالعقل مجاله في عالم الشَّهاده، أمَّا في عالم الغيب فموقفه التَّسليم والخُضوع.

ثالثاً: إن ثبت تعارض العقل مع الحديث ظاهريَّاً، وكان هذا الحديث على درجةٍ عاليةٍ من الصِّحة، فإنَّنا لا نستطيع تقديم العقل عليه، لأنّ ذلك يعني إهمال النَّص. وإهمال نصٍّ صحيحٍ ينطوي على درجةٍ من الخطورة.

وبناء على ذلك نستطيع فهم أكثر ما ادُّعي عليه التَّعارض من هذا الجانب، ونستطيع تبعاً لذلك دراسته وتقديم الأجوبة بشأنه.

ومن أمثلة ما ادُّعي فيه تعارض العقل مع الحديث ما رواه البُخاري (1) ومُسلمٌ (3) عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ -رضي الله عنه-قال: قال رسول الله-صلّى الله عليه وسلّم-:" يُؤْتَى بِالمَوتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أمْلَحٍ فَيُنَاِدي مُنَادٍ: يَا أهْلَ الجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ

(1) الصحيح، كتاب التفسير / سورة 19: 5/ 236 - 237

(3) الصحيح،الجنة وصفة نعيمها /النار يدخلها الجبارون:4/ 2188 رقم (2849)،كما أخرجه التِّرمِذيُّ، التفسير/20 سورة مريم: 5/ 315 - 316 رقم (3156) وأخرجه بلفظٍ أخصر من هذا في: 4/ 693 رقم

(2558)، وأحمد في "مسنده": 3/ 9، وهو مرويٌّ عن ابن عمر بسياقٍ آخر، كما عند البُخاريِّ،الرقاق/ 51

صفة الجنة والنار:7/ 200، ومُسلمٌ في " صحيحه ": 4/ 2189 رقم (2850 مكرر) وأحمد في " المسند ": 2/ 118.

ومرويٌّ كذلك عن أبي هُريرة: كما عند ابن ماجه، الزهد /31 صفة النار: 2/ 1447 رقم (4327 وإسناده صحيحٌ كما في " مصباح الزُّجاجة ": 3/ 324 تحقيق موسى محمد علي، د. عزت علي عطية، مطبعة حسان - القاهرة. والدَّارمي،الرقائق /باب في تحذير النار:2/ 329، وأحمد في " المسند ": 2/ 261، 368، 377.

هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَم، هَذَا المَوتُ - وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ -. ثُمَّ يُنَادِي يَا أهْلَ النَّارِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ: فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَم هَذَا المَوْتُ، - وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآه - فيُذبح ثمَّ يقول: يَا أهْلَ الجَنَّة خُلُودٌ فَلا مَوْتٌ، وَيَا أهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلا مَوْتٌ ثُمَّ قَرَأ: {وَأنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَهٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} (1).

ففي هذا الحديث ما يدعو للتَّوقُّف والتَّأمُّل، حيث جاء فيه أنَّ الموت سيُذبح والمعروف أنَّ الموت عَرَضٌ من الأعراض، ولا يمكن رؤيته، أو حصره في مكانٍ، وهذا ما كان من العلماء حيث استشكلوا هذا الحديث، قال ابن العربي (2): إنَّه جاء بما يُناقض العقل، فإنَّ الموت عَرَضٌ، والعَرَض لا ينقلب جِسماً ولا نعقل فيه ذبحاً.

ولهذا فقد كان للعلماء المتكلِّمين في هذا الحديث ودفعه بحجة أنَّه خبر آحادٍ وجاء بما يُناقض العقل كما حكى ابن العربي (3).

المسلك الثَّاني: مسلك أهل التَّأويل، حيث حملوه على التَّمثيل والتَّخييل، لا الحقيقة، وهؤلاء، قد اختلفوا في تأويله على أقوالٍ.

المسلك الثَّالث: حملُ الذَّبح على الحقيقة.

أمَّا المسلك الأوّل فلا التفات له، لأنَّه ديْدن المعتزلة ومن وافقهم في كلِّ حديثٍ لا يجري على أُصولهم، فهي دعوى بلا بَيِّنه إذاً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير