الثَّالث: رأيُ يفرِّق أصحابه بين الرَّاوي الفقيه، وغير الفقيه، فإن كان فقيهاً قدِّم خبره، وإن كان غير ذلك قُدِّم القياس عليه، وهو منسوبٌ لبعض الحنفيَّة واختاره البَزْدويُّ ومشى عليه حيث قال (4): " وأمَّا رواية من لم يُعرف بالفقه، ولكنَّه معروفٌ بالعدالة والضَّبط
النهاية في طبقات القراء: 1/ 447،والذَّهبي - تذكرة الحفاظ: 3/ 945، سير أعلام النبلاء: 16/ 276 - المشتبه: 1/ 129 تحقيق: علي محمد البجاوي، دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي، ط الأولى، 1962.
(6) العظمة: 203 رقم (441)، تحقيق: مصطفى عاشور، ومجدي السيد إبراهيم، مكتبة القرآن - القاهرة 1411 هـ /1990م.
(1) انظر: أثر الاختلاف في القواعد الأُصولية في اختلاف الفقهاء: 412.
(2) انظر: القرافي - شرح تنقيح الفصول: 387، دار الفكر - بيروت 1393 هـ / 1973 م.
(3) انظر: الحفناوي - التعارض والترجيح: 251 - 252.
(4) انظر: الخن - أثر الاختلاف في القواعد الأُصوليه: 414 نقلا عن شرح المنار لابن ملك 2/ 625.
مثل أبي هُريرة، وأنس بن مالك - رضي الله عنهما - فإن وافق القياس عُمل به، وإن خالفه لم يترك إلا بالضَّرورة وانسداد باب الرَّأي ".
الرَّابع: الوقف،وعدم ترجيح أحدهما على الآخر،حتَّى يقوم الدَّليل على ترجيحه (5).
قلت: وهذه الآراء في تعارض القياس مع خبر الآحاد، أمَّا الخبر المتواتر، فلا يقال إنَّه عارض القياس، لأنَّ القياس ظنِّيٌّ، والخبر المتواتر مقطوعٌ به.
والمرجَّح أنَّ الخبر إن عارض القياس من كلِّ وجهٍ، وجب المصير إلى الحديث لأنَّ تقديم القياس على الحديث ردٌّ له دون وجه حقٍّ، ثمَّ إنَّ القياس قد ينأى بصاحبه عن جادَّة الصَّواب.
ومثال ذلك: ما جاء من تحريم الميتة في كتاب الله - عزوجل - حيث قال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ .... } (1).
فالآية تنصُّ على أنَّ الميتة، والسَّمك الميِّت يقاس على الغنم الميِّت في تحريم أكله، إلاّ أنَّ هذا القياس يصطدم بقول النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم -: " أُحِلّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأمَّا المَيْتَتَانُ فَالحُوتُ وَالجَرَادُ، وَأمَّاالدَّمَانُ فَالكَبِدُ وَالطُّحَالُ " (2).
فالحديث هنا يتقدَّم على القياس، ويجب العمل به وترك القياس.
المطلب الثَّاني: تعارض الحديث ومُسلَّمات العلوم، ومُجَرّباتها.
(5) انظر: الحفناوي - التعارض والترجيح: 246.
(1) سورة المائده: 3.
(2) أخرجه ابن ماجه،الصيد /9 صيد الحيتان والجراد: 2/ 1073، رقم (3218)، مختصراً، مقتصراً على قوله " أُحِلَّت لنا مَيْتَتان الحوت والجراد "وقال البُوصِيري في" مصباح الزجاجة": 3/ 64: هذا إسنادٌ فيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف.وأخرجه أحمد في "المسند":2/ 97، والشَّافعي في "المسند":2/ 173، وعبد بن حُميد في " المنتخب ": 260 رقم (820)، والعُقَيلي في " الضعفاء الكبير ": 2/ 331، والبَيْهقي في " السنن الكبرى ": 1/ 254، ورواه جميعهم من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر، ورواه البَيْهقي كذلك إلاّ أنَّه قَرَنَ مع عبد الرحمن أخويه عبد الله وأُسامة، وقيل: إنَّهم جميعاً ضعفاء قال ابن معين: " بنو زيد بن أسلم، عبد الرحمن، عبد الله، كلُّهم ليس فيهم ثقة، أسامة بن زيدٍ أثبت منهم: " أُنظر: من كلام أبي زكريا في الرجال:40 - 41 رقم (48)، وقال البيهقي: أولاد زيدٍ هؤلاء كلُّهم ضعفاء، جرَّحهم يحيى بن معين، وكان أحمد بن حنبل وعلي بن المديني يوثِّقان عبد الله بن زيد، إلاّ أنَّ الصَّحيح من هذا الحديث هو الأوّل. وكان البيهقي قد روى الحديث موقوفا على ابن عمر، وقال: وهذا إسنادٌ صحيحٌ، وهو في معنى المُسند، وقد رفعه أولاد زيدٍ عن أبيهم، فالبيهقي يرى ترجيح الموقوف، وقد اعترض عليه ابن التُّركماني في " الجوهر النقي " فقال: إذا كان عبد الله ثقةً على قولهما، دخل حديثه فيما رفعه الثِّقة ووقفه غيره، لا سيما وقد تابعه على ذلك أخواه فعلى هذا نُسلِّم أنَّ الصَّحيح هو الأوّل، وللمرفوع شواهد كثيرةٌ يصحُّ بها.
¥