تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أمَّا عن التَّعارض مع أُمور ماضيةٍ فمثاله ما رواه مُسلمٌ (1) عن ابن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سُفيان ولا يقاعدونه، فقال للنَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم -: يا نبيَّ الله، ثلاثٌ أعطِينِهُنَّ، قال: " نَعَم "، قال: عندي أحسن العرب وأجمله، أُمُّ حبيبة بنت أبي سفيان أُزوجكها، قال: " نَعَم "، قال: ومعاويه تجعله كاتباً بين يديك، قال: " نَعَم " قال: وتُؤَمِّرني حتَّى أُقاتل الكفَّار كما كنت أُقاتل المسلمين. قال " نَعَم ".

ففي هذا الحديث إشكالٌ لا يخفى مع حوادث ماضيةٍ، تخصُّ زواج النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم - من أمِّ حبيبة بنت أبي سفيان، إذ المعروف أنَّ أبا سفيان لم يُزوِّجها للنَّبيِّ، لأنَّه أسلم عام الفتح، وهي من المهاجرات إلى الحبشة وزواجها كان في ذلك الوقت - أي وقت الهجرة إلى الحبشة -.

وذكر النَّوَويُّ (2) هذا الاستشكال ونقل عن القاضي عِياض أنَّه قال: والّذي في مُسلمٍ هنا أنَّه زوَّجها أبو سفيان غريبٌ جداً، وخبرها مع أبي سفيان حين ورد المدينة في حال كفره مشهورٌ ".

وقال ابن حَزْمٍ (3): هذا الحديث وهمٌ من بعض الرُّواه، لأنَّه لا خلاف بين النَّاس أنَّ النَّبيَّ-صلّى الله عليه وسلّم- تزوَّج أُمَّ حبيبة قبل الفتح بدهرٍ وهي بأرض الحبشه وأبوها كافرٌ، وفي رواية عن ابن حَزمٍ أنَّه قال موضوعٌ: قال والآفة فيه من عِكرمة بن عمَّارٍ الرَّاوي عن أبي زَميل.

قال النَّوويُّ (4):وأنكر الشَّيخ أبو عَمرو بن الصَّلاح - رحمه الله - هذا على ابن حَزمٍ، وبالغ في الشَّناعة عليه، قال: وهذا القول من جسارته، فإنَّه كان هَجُوماً على تخْطِئة الائمَّة الكبار وإطلاق اللِّسان فيهم، قال: ولا نعلم أحداً من ائمة الحديث نسب عِكرمة بن عمَّار إلى

(1) الصحيح،فضائل الصحابة /37 فضل أصحاب الشجرة: 4/ 1945 رقم (2501) وأخرجه أيضاً الطَّبرانيُّ في " المعجم الكبير ": 23/ 182.

(2) شرح صحيح مسلم: 16/ 63.

(3) لم أجد مصدر هذا القول، وعزاه محقِّق التَّنبيهات المُجملة إلى جوامع السِّيرة له دون أن يشير إلى رقم الصفحة، ولقد استعرضت الكتاب فلم أجد هذا القول.

(4) شرح صحيح مسلم: 16/ 63 - 64.

وضع الحديث ....... وما توهَّمه ابن حَزمٍ من مُنافاة هذا الحديث لتقدُّم زواجها، غلطٌ منه وغفلةٌ لأنَّه يحتمل أنَّه سأله تجديد عقد النِّكاح تطييباً لقلبه لأنَّه كان ربَّما يرى عليها غضاضةً من رياسته ونسبه إن تزوَّج بنته بغير رضاه، أو أنَّه ظنَّ أنَّ إسلام الأب في مثل هذا يقتضي تجديد العقد.

وهذا الهجوم من ابن الصَّلاح - رحمه الله - على ابن حَزمٍ غير ذي سببٍ، إذ أنَّه لا ضير أن يكون هذا الرَّاوي أو ذاك وَهِمَ أو أخطأ، وليس هذا مما يحطُّ من قدرهم إن كانوا من أهل الثِّقة والعدالة، لأنَّ الثِّقة قد يَهِمُ ويُخطيء - كما قدَّمت -. وبخاصَّةٍ أنَّ التَّاريخ يساعد من رفضوا هذا الحديث درايةً ولهذا كان ميل المحقِّقين من العلماء إلى تضعيف هذا الحديث.

قال الأُبِّيُّ (1): وإذا صحَّ أنَّه تزوَّجها قبل الفتح فيكون ما وقع في هذا الحديث من طلب أبي سفيان أن يزوِّجها بعد إسلامه خطأً ووهماً، وقد بحث النُّقَّاد عمن وقع ذلك الوهم منه فوجدوه وقع من عِكرمة بن عمَّار.

قال ابن الجَوْزي (2): اتهموه بذلك، وقد ضعَّف أحاديثه يحيى بن معين (3)، وابن حَنْبل (4)، ولذلك لم يُخرج عنه البُخاريُّ، وإنَّما خرَّج عنه مُسلمٌ لأنَّه قال: فيه يحيى بن سعيد، هو ثِقَةٌ، وقال الحافظ علي بن أحمد: هذا حديثٌ موضوعٌ لا شكَّ في وضعه، والآفة فيه من عِكرمه بن عمَّار.

(1) هو عبد الله محمد بن خِلْفة بن عمر الوَشْتَاني التُّونسي، المعروف بالأُبِّي، محدِّثٌ وفقيهٌ مالكيٌّ، صاحب الكتاب المشهور " إكمال المُعلم لفوائد كتاب مُسلم ". وغيره، توفي سنة (827 هـ / 1424 م)

انظر ترجمته: ابن حجر - تبصير المنتبه:1/ 31 تحقيق: علي محمد البجَّاوي، المكتبة العلمية- بيروت، السَّخاوي - الضوء اللامع: 11/ 182، والقَرَافِي - توشيح الدَّيباج: 204 - 205، وابن القاضي - درة الحِجَال: 2/ 285، والدكتور عبد الرحمن عون - أبو عبد الله الأُبِّي وكتابه الإكمال: 117 - 155.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير