ثانياً: إنَّ ابن مسعودٍ لم ينفرد برواية هذا الحديث، بل وافقه غيره من الصَّحابة وقد أشرت في النَّقطه السَّابقة إلى رواية أنسٍ للحديث، وأوصل الكتَّانيُّ (4) الحديث إلى مصافِّ التَّواتر، ونقل عن عددٍ من علماء الإسلام نصهم على تواتر هذا الحديث. وذكر عن الحافظ ابن حجرٍ أنَّه قال: أجمع المفسِّرون وأهل السِّير على وقوعه، وقال: ورواه من الصَّحابة:
(2) انظر: عبد الرحمن محمد حسن حبنَّكه الميداني - العقيده الإسلامية وأُسسها: 338، دار القلم - دمشق ط الرابعة 1406 هـ / 1986 م.
(3) رواه البُخاريُّ في " صحيحه ": 4/ 243، كتاب مناقب الأنصار، ومُسلمٌ،صفات المنافقين /انشقاق القمر: 4/ 2159 رقم (2802) والتِّرمِذيُّ، التفسير /باب55: 5/ 397 رقم 3286،وأحمد في " المسند ": 3/ 275، 278 وغير ذلك، والنَّسائيُّ في " التفسير ": 2/ 367 رقم (575)،والحاكم في " المستدرك ": 2/ 472، والبَيْهقيُّ في " دلائل النبوة ": 2/ 263 تحقيق د. عبد المعطي قلعجي، المكتبة العلمية، ط الأولى 1405 هـ / 1985 م.
(4) نظم المتناثر: 222 - 223.
علي (1)، وابن مسعود، وحُذيفة (2)، وجُبير بن مطعم (3).
ثالثاً: إنَّ القرآن الكريم قد ذكر هذه الحادثه عند قول الله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ القَمَرُ} (4) والآية جاءت بصيغة الماضي مما يدلُّ على وقوع الانشقاق وحدوثه، وعلى هذا أجمع علماء التَّفسير حتى المُعتزلة منهم.
رابعاً: لا يُشترط للحادثة إن وقعت أن يلاحظها النَّاس أجمعون، ويتغنَّى فيها الشُّعراء، وتسير بحكايتها الرُّكبان، بل قد لا يلاحظها إلاّ النَّفر القليل، وقد يُلاحظها الجمَّ الغفير،ومع ذلك لا يتحدَّث بها إلاّ آحاد النّاس. وهذا أمرٌغير مستغربٍ ولا مُستهجنٍ.
فهذه الأُمور تكفي لردِّ الانتقادات والاعتراضات الّتي اعترض بها النَّظَّام وغيره ولكنِّي سأذكرآراء بعض ائمة المعتزله لردِّ الاعتراض، وخير الرُّدود ما قام به الخُصوم أنفسهم. فقال الحاكم الجُشَميُّ (5) في تفسير الآية: وروى انشقاق القمر ابن مسعود وابن عمر وأنس، وحُذيفة وابن عبّاس، وجُبير بن مُطعم، ومجاهد، وإبراهيم، وهو قول أبي عليٍّ وجماعته، وقيل: إنَّه ماضٍ بمعنى المستقبل: أي سينشقُّ عند قرب السَّاعة، قالوا: ولو انشق لرآه كلُّ أحدٍ، ولاشتهر عن الحسن وعطاء، والأصم، وأبي القاسم. قال الحاكم: وهذا لا يصحُّ لأنَّه خلاف الظَّاهر، ولأنَّه اشتهرت الرِّواية فيه ".
قال: ومتى قيل: فهل رآه أهل البلدان؟ قلنا: القمر قد يستره الغيم ويُرى في موضعٍ دون موضع، ولأنه كان باللّيل وقت نومٍ وغفلةٍ فلم يشتهر ولم يره كلُّ أحدٍ، ولأنَّه لم يلبث وقت الانشقاق، بل كانت ساعة، لذلك لم يشتهر على أنَّه كان مشهوراً بينهم لأنَّه- صلّى
(1) لم أقف على رواية علي،ونقل القاري في "شرح الشفا":1/ 586 دار الكتب العلمية- بيروت، عن الدلجي أنَّه قال: لا يعرف مخرِّجه.
(2) أخرجه الطَّبري في " التفسير ": 27/ 86، وأبو الشَّيخ في " طبقات المحدثين بأصبهان ": 1/ 139 تحقيق: عبد الغفار البنداري، وسيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية - بيروت، ط الأولى 1409 هـ / 1989 م. وأبو نعيم في " الحلية ": 1/ 281.
(3) رواه التِّرمِذيُّ في " الجامع الصحيح ": 5/ 398 رقم (3289) وأحمد في " المسند ": 3/ 165، والحاكم في "المستدرك ": 2/ 472، والبَيْهقيُّ في " دلائل النبوة ": 2/ 268، والأصبهانيُّ في " الحجة ": 2/ 172 تحقيق: محمد بن ربيع المدخلي - دار الراية - الرياض، ط الأولى 1411 هـ / 1990 م.
(4) سورة القمر: 1
(5) انظر: عدنان زرزور - الحاكم الجُشَمي ومنهجه في التفسير: 278 - 279.
الله عليه وسلّم- كان يقرأ عليهم هذه السُّورة ولا ينكره منكرٌ، ولا يكذِّبه أحدٌ مع كثرة الأعداء وحرصهم على تكذيبه ".
وهذا استدلالٌ مُوفَّقٌ من الحاكم، وهو استدلالٌ بتلاوة الآية على المشركين وعدم تكذيبهم إيَّاه، مع توفُّر الرَّغبة والحِرْص على ذلك، ولو كذَّبوا لنُقل إلينا.
وقال المَاورديُّ (1): في تأويله وجهان:
الأوّل: 00000
الثَّاني: وهو قول الجُمهور، وظاهر التَّنزيل، أنَّ القمر انشقَّ على عهد رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -.
¥