تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والنُّقول عن أصحاب هذه المدرسه فيما يخصُّ هذه المسأله كثيرة، ولسوف أُناقشهم في بعض الآراء في الباب الرَّابع فيما يخصُّ التَّعارض.

أمَّا ما أوردوه من إشكالاتٍ فإنِّي أُحيلهم على ما كتبه بعض رؤوس المعتزلة كالجُشَميِّ، والقاضي عبد الجبار وغيرهما.

(1) انظر: د. فهد الرومي - منهج المدرسه العقليّة الحديثة في التفسير: 584 - 585.

(2) تفسير المراغي: 27/ 77 طبعة مصطفى البابي الحلبي / القاهره، ط الثالثة 1394هـ - 1947 م.

ومن أمثلة توهُّم تعارض الحديث مع نواميس الكون أيضاً ما رواه البُخاريُّ (1) عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: " غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ لاَ يَتْبَعُنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امرأةٍ وَهُوَ يُرِيدُ أنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلمَّا يَبْنِ بِهَا، وَلا أحدٌ بَنَى بُيُوتَاً وَلَمْ يَرْفَع سُقُوفَهَا، وَلا أحَدٌ اشْتَرى غَنَمَاً أو خَلِفاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ وِلاَدَهَا، فَغَزَا، فَدَنا مِنَ القَرْيَةِ صَلاةَ العَصْرِ أو قَرِيْبَاً مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ للشَّمْسِ إنَّكِ مَأمُورَةٌ وَأنَا مَأمُورٌ، اللّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا، فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ الله عَلَيْهِ ..... ".

فهذا الحديث يدلَّ على اختلال نظام الشَّمس التي تسير بانتظامٍ ليتعاقب الّليل والنَّهار، وهذا الحَبس من شأنه أن يُحدث اضطراباً في سيرها ينعكس على الّليل والنَّهار، والفُصول ومدَّة العام وهكذا.

والجواب على هذا من أبسط الأجوبة، إذ إنَّ الأمر متعلِّقٌ بمعجزةٍ وكرامةٍ، ولا مانع من أن يكرم الله - تعالى - أحد أنبيائه، أو حتّى أحد أوليائه فيخرق له المعتاد، وما نواميس الكون ومسير الشَّمس والقمر إلا أمرٌ من المعتاد على الناس، فإذا أمرهما خالقهما بالتَّخلُّف، أو التَّأخُّر، أو حتَّى تغيير الوجهة تماماً، فلا يسعهما إلاّ الامتثال لأوامر الله - سبحانه وتعالى - وليس هاهنا ما يُثير العجب أو الاستنكار عند من يملك مُسحةً من الإيمان، أمَّا من كان خلاف ذلك فلا نُخاطبه بهذا أصلاً.

تنبيه: روى الطَّحاويُّ والطَّبرانيُّ (3) عن أسماء بنت عُمَيسٍ - رضي الله عنها - أنَّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - صلَّى الظُّهر بالصَّهباء، ثمَّ أرسل علياً في حاجة، فرجع وقد صلّى النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلّم - العصر، فوضع النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلّم - رأسه في حِجْر عليٍّ فنام، فلم يحركه حتَّى غابت الشَّمس، فقال النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلّم -: " الّلهمَّ إنَّ عبدك علياً احتبس بنفسه على نبيِّهِ، فرُدَّ عليه الشَّمس ".

(1) الصحيح، كتاب فرض الخُمس /باب 8: 4/ 50، كما أخرجه مُسلمٌ، الجهاد /تحليل الغنائم لهذه الأمة: 3/ 1366 رقم (1747) والَّنبيُّ الوارد اسمه في هذا الحديث هو يُوشَع بن نُون كما جاء مصرَّحاً به عند الإمام أحمد في " المسند ": 2/ 325 بإسنادٍ وصحيح كما قال ابن حجر في " فتح الباري ": 6/ 321، ونصُّ حديث أحمد: " إنَّ الشَّمْسَ لَمْ تُحْبَسْ عَلَى بَشَرٍ إلا لِيُوشَع ليالي سَارَ إلى بَيْتِ المَقْدِسِ ".

(3) شرح مشكل الآثار: 3/ 94 رقم (1068) وأخرجه قبل ذلك بلفظٍ آخر: 3/ 92 رقم (1067).

قالت أسماء: فطلعت عليه الشَّمس حتَّى وقعت على الجبال وعلى الأرض وقام عليٌّ فتوضَّأ وصلّى العصر ثمَّ غابت، وذلك في الصَّهباء. (1)

فهذا الحديث لا يصحُّ، بل حكم عليه غير واحدٍ بالوضع (2)، وأنكر ابن حجرٍ على من حكم بوضعه! ولكنَّ الحديث في أحسن أحواله لا يصلُح للاحتجاج على مثل الّذي نحن بصدده فلا أتشاغل به.

(1) المعجم الكبير: 24/ 115، 117 - 119.وأخرجه كذلك الجَوْرَقانيُّ في " الأباطيل ": 1/ 158 تحقيق عبد الجبار الفريواني، المطبعة السلفية - بنارس ط الأولى 1403 هـ / 1983، والعُقَيليُّ في " الضعفاء الكبير ": 3/ 327 - 328، وابن الجَوْزي في " الموضوعات ": 1/ 355 - 356.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير