تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الطَّحاويُّ (1) ردَّاً على من يقول هذا القول: " فتأمَّلنا ما قال من ذلك، فوجدناه مُحالاً، ووجدنا ما روي عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في هذا الحديث مُستقيماً لا إحالة فيه، وذلك أنَّ البعير ركبتاه في يديه، وكذلك كلَّ ذي أربعٍ من الحيوان، وبنو آدم بخلاف ذلك لأنَّ ركبهم في أرجلهم لا في أيديهم، فنهىَ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في هذا الحديث المُصلِّي أن يَخِرَّ على رُكبتيه الّلتين في رجليه كما يَخِرُّ البعير على رُكبتيه الّلتين في يديه، ولكن يَخِرُّ لسجوده على خلاف ذلك، فيَخِرَّ على يديه الّلتين ليس فيهما ركبتاه، بخلاف البعير على يديه الّلتين فيهما ركبتاه. "

وهذا الفَّهم من الطَّحاويِّ لم يأتِ من فراغٍ، وإنَّما هو مرويٌّ عن أهل الُّلغه كذلك، وقال الخليل بن أحمد (2) في تأييد ذلك: " وركبة البعير في يده، وقد يقال لذوات الأربع كلها من الدَّواب رُكبٌ،وركبتا يدي البعير: المِفصلان الّلذان يليان البَطن إذا برك، وأمَّا المِفصلان الَناتئان من خلْفٍ فهما العُرْقُوبان ". ووافقه عدد ممَّن صنَّفوا في المعاجم.

إضافة إلى ذلك نقل الألبانيُّ (3) وشعيب الأرنؤوط (4) عن قاسم بن ثابت السَّرقُسْطِيِّ (5) في " غريب الحديث ": 2/ 70 أ بسندٍ صحيحٍ عن أبي هُريره أنَّه قال: لا يبرك بروك البعير الشَّارد

(1) شرح مشكل الآثار: 1/ 169. وانظر: شرح معاني الآثار: 1/ 254 - 255.

(2) كتاب العين: 5/ 362 - 362، وانظر كذلك: الأزهري - تهذيب اللغه: 10/ 216 تحقيق: علي حسن هلالي، الدار المصرية اللتأليف والترجمة 1384 هـ / 1964 م.، والصَّاحب بن عبَّاد - المحيط في اللغه: 6/ 255 تحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين، عالم الكتب - بيروت ط الأولى 1414 هـ / 1994 م. وابن منظور - لسان العرب: والزَّبيدي - تاج العروس: 2/ 527.

(3) صفة صلاة النبي: 122 المكتب الاسلامي بيروت، الطبعة الحادية عشرة 1403 هـ / 1983 م.

(4) التعليق على زاد المعاد: 1/ 225 - 226 طبعة مؤسسة الرسالة - بيروت.

(5) هو أبو محمد قاسم بن ثابت بن حزم بن عبد الرحمن العَوْفي، عُني بجمع الحديث والُّلغه، وهو أول من أدخل كتاب " العين " الأندلس، توفي سنة (302 هـ - 915 م).

انظر ترجمته: ابن الفرضي - تاريخ علماء الأندلس: 360 - 361، الدار المصرية للتأليف والترجمة 1966، الحُمَيدي - جذوة المقتبس: 331 - 332، والضَّبي - بغية الملتمس: 448 - 449.

قال الإمام: هذا في السُّجود يقول: لا يرمي بنفسه معاً كما يفعل البعير الشَّارد، غير المطمئِنِّ المُواتر،ولكن ينحطَّ مطمئناً يضع يديه ثمَّ ركبتيه، وقد روي حديثٌ مرفوعٌ مُفسِّرٌ ". وذكر حديثنا هذا.

فالأمر إذاً معروفٌ عند أهل الُّلغه بل عند متقدِّميهم ممَّن يُعدُّون في زمن الاحتجاج وكلامهم يعدُّحجَّة كالخليل، ولم ينقل لنا في أيِّ معجمٍ لُغويٍّ ما يخالف ذلك أو يضاده فمن أراد التَّفصيل ذكر ما ذكره الخليل، ومن أراد الإجمال مشى ولم يذكر شيئاً ومن ذكر الزِّيادة أو فصَّل في بحث الموضوع قُدِّم كلامه على من اختصر أو أجمل الكلام.

ثمَّ إنَّ هذا القول غير مجهولٍ عند العرب القدماء، بل عرب الجاهليَّة منهم، فقد جاء في " صحيح البُخاريِّ (1) " من حديث سُراقَة بن مالك في هجرة النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم - فسَاخَتْ يدا فرسي في الأرض حتّى بلغتا الرُّكبتين (2). فهذا النَّصُّ يدل على أنَّ العرب كانت تقول هذا القول وتعرفه، وليس كما قال ابن القيِّم من أنَّه كلامٌ لا يُعقل، ولا يعرفه أهل الُّلغه وبهذا يزول الإشكال، وينتفي تعارض الحديث مع المشاهده.

وبالرُّغم من كلِّ هذه الأدلة والنُّقول من اللغة والحديث إلا أنَّ بعضاً من الكاتبين المعاصرين يعاندون اللغة والمنطق ويصادرون أفهام غيرهم ويُسفِّهون حججهم انتصاراً لمذهبياتهم وآرائهم.

فيقول أحدهم (3): " وجميع العقلاء يعرفون أنَّ البعير إذا أراد أن يبرك يثني يديه فينزل على الأرض بهما، وتبقى رجلاه قائمتان ثمَّ ينزلهما "، ولهذا فقد حكم على قوله " وليضع يديه قبل ركبتيه " بأنَّها زيادةٌ ضعيفةٌ، بل باطلةٌ!!!.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير