الفصيح الجاهلي في العاميّة الدِّيْرزُورِيّة
ـ[الدكتور مروان]ــــــــ[22 - 03 - 2008, 06:56 م]ـ
الفصيح الجاهليّ في العاميّة الدِّيْرزُورِيّة:
كنت من أيام الطلب – وأنا أقرأ الشعر الجاهلي- ألمح فيه بين الفينة والفينة كلمات نتداولها في حياتنا العامية في بلدتنا الحبيبة، دير الزور، المدينة السورية السابحة، على ضفاف الفرات.
هذه اللغة يستعملها الناس في حديثهم البسيط، ويتداولونها فيما بينهم.
ومن هنا آثرت الوقوف عندها قليلا، محاولا الإشارة إلى مواضعها التي وردت فيها، مكتفيا بالنماذج الشعرية، ومقتصرا على العصر الجاهلي، دون غيره.
ولم أحاول هنا أن أقدم لهذه الألفاظ دراسة لغوية، اعرض فيها لمراحل تطورها وتنقلها؛ لأن ذلك من اختصاص علماء اللغة، الذين تدربوا على دراسة هذا الجانب منها، فملكوا القدرة على الربط بين الألفاظ والموهبة، إلى الاهتداء لأصولها الأصيلة.
على أن هذه العملية التي قمت بها، قد أوضحت أمامي طريقا، يمكن أن أقول، على ضوئه، بأن اللغة العربية، التي حملتها القبائل العربية، كانت إيذانا، بشروق عصر جديد لها؛ لأن هذه القبائل حملت لهجاتها، إلى سوريا، وفلسطين، والعراق، ومصر، وشمال إفريقيا، وإيران، فظلت محتفظة بطريقة حياتها، وسلامة لهجتها، فكانت حقا الأساس المكين، لتثبيت أقدام العربية، في كل بلد تمكنوا من دخوله، والاستيطان به، على الرغم من انتشار لغات تلك الأمم.
وإن هذه المجموعة من الكلمات، والتي تمكنت من تدوينها هنا، لا تعني أن الشعر الجاهلي، قد خلا من ألفاظ أخرى، تحمل هذه الصفات نفسها، والمعروف أن اللغة العامية كانت معروفة في أيام العربية الأولى، وأن هذه الألفاظ وجدت في العامية الحاضرة، فهل بعد هذا يمكن أن نربط بين العاميتين!؟
وهل إن هذه الألفاظ ظلت تتداول منذ تلك الفترة، حتى عصرنا الحاضر!؟
وبنفس الشكل، وبعين المعنى!؟
دون أن يشعر الناس، صعوبة في تقبلها، أو إشكالا في استعمالها!؟
فإذا انتهى الأمر بهذا الشكل، فلا بد أن تكون هناك ألفاظا كثيرة، مبعثرة من فصيحنا الجاهلي، في اللهجة العامية السورية، والعامية المصرية، والعامية الأردنية، والعراقية، والجزائرية، والتونسية ....
وللعلم فإن هذه المجموعة من الألفاظ مستعملة في بيئة دير الزور في الغالب، ربما تكون هناك ألفاظ مستعملة في بيئات سورية أخرى، لم أهتد إليها، وهي موكولة بأصحابها وأهلها.
وعسى أن يتهيأ لها باحث آخر، يجمع شتاتها، ويلم متفرقها، ويكمل ما تبعثر منها، لتتناسق الألفاظ، وترتب الشواهد؛ ولتصبح أخيرا قاموسا، لمن يريد البحث والمقارنة.
1 - النّيّه: وهي الوجهة التي يريدها الشخص.
قال الشاعر بشر بن أبي خازم الأسدي (ديوانه /201):
أَلا ظَعَنَت لِنِيَّتِها إِدامُ=وَكُلُّ وِصالِ غانِيَةٍ رِمامُ
جَدَدتَ بِحُبِّها وَهَزَلتَ حَتّى=كَبِرتَ وَقيلَ إِنَّكَ مُستَهامُ
ظعنت: أي ذهبت وسارت.
والنية: الوجه الذي يريده الإنسان، وينويه في الذهاب.
وإدام: اسم امرأة، والغانية: المرأة الجميلة، وقد سميت بذلك، لأنها استغنت بجمالها عن الزينة والحلي.
كما وردت في شعر الهذليين، كلمة: (النوى)، وهي تؤدي المعنى نفسه.
قال الشاعر الهذلي ساعدة بن جؤية (ديوان الهذليين/208):
يا نُعمَ إِنّي وَأَيديهِم وَما نَحَروا=بِالخَيفِ حَيثُ يَسُحُّ الدافِقُ المُهَجا
إِنّي لَأَهواكِ حَقّاً غَيرَ ما كَذِبٍ=وَلَو نَأَيتِ سِوانا في النَوى حِجَجا
النوى: وهو الوجه الذي تريده.
وقال الشاعر الهذلي صخر الغيّ (شرح أشعار الهذليين1/ 294):
لِشَمّاءَ بَعدَ شَتاتِ النَوى=وَقَد كُنتُ أَخيَلتُ بَرقاً وَليفا
أَجَشَّ رِبَحلاً لَهُ هَيدَبٌ=يُكَشِّفُ لِلخالَ رَيطاً كَشيفا
النوى: الوجه الذي تأخذ فيه.
وأخيلت: رأيت المخيلة.
وليفا: متتابعا اثنين اثنين.
والشتات: الفرقة.
2 - العُكّة: جلد صغير، يوضع فيه السمن، أصغر من القربة.
قال الشاعر أبو المُثلَّم الخناعيّ الهذَليّ: (شرح أشعار الهذليين 1/ 305):
له ظَبْيَة وله عُكَّة=إذا أنفضَ الحيُّ لم تُنفِض ِ
ويأكلُ ما رضَّ من تمرها=ويأبَى الأُبلَّةَ لم تُرضَضِ
ظبية: جراب، وقيل خريطة من أدم فيها السويق وغيره.
¥