تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والذي نقوله فِي هَذَا: إن الاسم واحد وهو "السيف" وَمَا بعده من الألقاب صفات، ومذهبنا أن كل صفة منها فمعناها غير معنى الأخرى. وَقَدْ خالف فِي ذَلِكَ قوم فزعموا أنها وإن اختلفت ألفاظها فإنها ترجع إِلَى معنى واحد. وذلك قولنا: "سيف وعضب وحُسام". وقال آخرون: لَيْسَ منها اسم ولا صفة إِلاَّ ومعناه غيرُ معنى الآخر. قالوا: وكذلك الأفعال. نحو: مضى وذهب وانطلق. وقعد وجلس. ورقد ونام وهجع. قالوا: ففي "قعد" معنى لَيْسَ فِي "جلس" وكذلك القول فيما سواهُ. . . ومن سُنَن العرب فِي الأَسماء أن يسمّوا المتضادَّين باسم واحد. نحو "الجَوْن" للأسود و "الجَوْن" للأبيض. وأنكر ناس هَذَا المذهب وأن العرب تأتي باسم واحد لشيء وضدّه. وهذا لَيْسَ بشيء. وذلك أن الَّذِين رَوَوْا أن العرب تُسمي السيف مهنَّداً والفَرَسَ طِرْفاً هم الَّذِين رَوَوْا أن العرب تُسمِّي المتضادَّين باسم واحد. وَقَدْ جرَّدنا فِي هَذَا كتاباً ذكرنا فِيهِ مَا احتجوا به، وذكرنا ردَّ ذَلِكَ ونقصه، فلذلك لَمْ نكرّرِهُ.

(ط) باب (النحت)

العرب تَنْحَتُ من كلمتين كلمةً واحدة، وهو جنس من الاختصار، وذلك مثل: "رجل عَبْشَميّ" منسوب إِلَى اسمين، وأنشد الخليل:

أقول لَهَا ودمعُ العين جارٍ ألَمْ تَحْزُنْكِ حَيْعَلةُ المنادي

مكان قوله: "حَيَّ علي". وهذا مذهبنا فِي أنّ الأشياء الزائدة عَلَى ثلاثة أحرف أكثرها منحوت، مثل قول العرب للرجل الشديد "ضَبَطرٌ" [ضبط وضبر] وَفِي "الصِّلِّدْم" إنه من "الصَّلد" و "الصَّدْم". وَقَدْ ذكرنا ذَلِكَ بوجوهه فِي كتاب مقاييس اللغة.

معجم مقاييس اللغة

لأبن فارس كتاب آخر نادر في موضوعة وقيّم في مادته هو (معجم مقاييس اللغة)، فهو معجم فريد في بابه، لا يشبهه في تناول المفردات إلا كتاب (مفردات غريب القرآن) للأصفهاني، إلا أن الأخير خاص بمفردات القرآن الكريم لا يتعداها، وأما المقاييس فقد تناول معظم مفردات اللغة. وقد بُني معجم مقاييس اللغة على فكرتين تُعدان من أهم موضوعات فقه اللغة: (1) إن لمفردات العربية مقاييس صحيحة وأصولا تتفرع منها. وهذه الفكرة ذكرها ابن فارس أيضا في الصاحبي في باب (القول على لغة العرب هل لها قياس وهل يشتق بعض الكلام من بعض) حيث قال: "أجمع أهل اللغة إلا من شذ عنهم أن للغة العرب قياساً وأن العرب تشتق بعض الكلام من بعض، وأن اسم الجنّ مشتق من الاجتنان. وأن الجيم والنون تدُلاَّن أبداً عَلَى الستر. تقول العرب للدّرع: جُنَّة. وأجَنه الليلُ، وهذا جنين، أي هو فِي بطن أمّه أَوْ مقبور." وقد طبق هذه الفكرة في معجم المقاييس. (2) والفكرة الثانية هي رأيه في أصل ما فوق الرباعي، وقد ذكر ذلك في الصاحبي عندما قال: "مذهبنا فِي أنّ الأشياء الزائدة عَلَى ثلاثة أحرف أكثرها منحوت، مثل قول العرب للرجل الشديد "ضَبَطرٌ" [ضبط وضبر] وَفِي "الصِّلِّدْم" إنه من "الصَّلد" و "الصَّدْم." ولكنه في المقاييس توسع في تطبيق هذا المفهوم على ما يريو على ثلاثمائة لفظ، وما خرج عن ذلك نسبه إما لزيادة حرف على الثلاثي أو نسبه إلى أصل الوضع. وهنا سنورد أمثلة الاشتقاق الذي اصطلح من بعده على تسميته بالاشتقاق الأصغر:

برم الباء والراء والميم يدلُّ على أربعة أصولٍ: إحكام الشَّيء، والغَرَض به، واختِلاف اللَّونين، وجنسٌ من النَّبات.

فأمّا الأوّل فقال الخليل: أبْرَمْتُ الأمرَ أحكمتُه. قال أبو زياد: المبارم مغازلُ ضِخامٌ تُبْرِم عليها المرأةُ غَزْلَها، ويقال أبرمْتُ الحَبْلَ، إذا فتَلْتَه متيناً، وَالمُبْرَم الغزْل.

وأمَّا الغَرَض فيقولون: بَرِمْتُ بالأمرِ عَيِيتُ به، وَأبرَمَنِي أعْيَانِي. قال: ويقولون أرجُو أنْ لا أَبْرَمَ بالسُّؤَالِ عن كذا، أي لا أعْيَا.

وأمّا اختلاف اللَّوْنَيْن فيقال إنّ البريمَينِ النَّوعانِ مِنْ كلّ مِن ذي خِلْطَيْنِ، مثل سوادِ اللَّيْلِ مختلطاً ببياض النهار، وكذلك الدَّمع مع الإثْمِد بَريمٌ. قال أبو زياد: ولذلك سُمّي الصُّبْحُ أوَّلَ ما يبدُو بَرِيماً، لاختلاط بياضِه بسواد اللَّيل؛ وَالبريم شيءٌ تشدُّ به المرأةُ وسَطَها، منظَّم بخَرَزٍ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير