تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالمُوَلَّدُ على هذا الأساس، ليس من جِنْس العَرَب وليس أَصِيلاً في عُروبَتِه، وعُمِّمَت الدِّلالَة لتَشمل الأشخاص والكلام، فأصبح المُوَلَّد يَعْنِي المُحْدَث من كل شيء، ومنه المُوَلَّدون من الشعراء، سُمُّوا بذلك لحُدوثِهم، ومن الكلام كُلُ لفظٍ كان عَرَبِي الأَصْل ثم تَغَيَّرت دلالته في الاستعمال ()، وسُمِّيَ المُوَلَّد من الكلام مُوَلَّداً إذا استَحدثوه، وكلام مُوَلَّد: "ليس من أصل لغتهم" () أي أنَّ الكلام المُحْدَث في العَرَبِيَّة هو الذي لم يَصْدُر عن المُحْتَجِّ بكلامهم؛ فافْتَقر إلى الأصالة العَرَبِيَّة.

وعرَّف السيوطي المُوَلَّد بقوله: "المُوَلَّد هو ما أحدثه المُوَلَّدون الذين لا يحتج بألفاظهم" وقد أورد من الأَلْفَاظ المُوَلَّدة قوله: "أيَّامُ العَجوز ليس من كلام العَرَب في الجاهليَّة، وإنَّما وُلِّدَ في الإسلام" () وعَرَّفَه الدكتور علي عبد الواحد وافي: "ما اسْتَعْمَلَه المُوَلَّدون على غَيْر استعمال الفُصَحاء من العَرَب () وفي المُعْجَم الوسيط الَّلفْظ الذي اسْتَعْمَلَه الناس قديماً بعد عَصْر الرِّوايَة ().

وهذا يعني أنَّ هناك مِعْياراً زَمَنياً للمولَّد، وهو ما استحدث من الأَلْفَاظ بعد عصْر الاحتجاج، وهناك مِعْيار آخر، وهو التَّغْيِير الذي تُحْدثُه العَامَّةُ في الَّلفْظ، بهَمْزِه أو تَرْكِه أو تَسْكِين أو تَحْريك أو نَحْوِ ذلك ().

ومِمَّن أخذ بالمِعيار الزَّمَنِي عبد القادر المغربي، فقد عرَّف المُوَلَّد: "ما لم يَعْرِفْه أهل اللغة، ولم يُنْطَق به من الكلام، وإنَّما اسْتَعْمَلَه المُوَلَّدون، وجَرَوا عليه في مَنثورِهم ومَنظومِهم. والمُوَلَّدون ليسوا من أهل اللغة الذين يُحتَج بهم في إثبات كَلِمِها وصَحَّة صِياغتِها ولا من يُحتَج ذلك إلاَّ بكلام الجَاهِليّ أو المُخَضْرَم ().

ويُعَرِّف حلمي خليل المُوَلَّد بـ: "لفظ عَرَبِي الأَصْل أَعْطَى مَدْلُولاً جديداً عن طريق الاشْتِقَاق أو المَجَاز أو نَقْل الدِّلالَة، ولم يَعْرِفْهُ العَرَب الفُصَحَاء بهذا المَعْنَى" (). ويَعَرِّفُه الدكتور حسن ظاظا: "المُوَلَّد هو لفظٌ عَرَبِي البِنَاء أُعطِي في اللغة الحديثة مَعْنَىً مختلفاً عمَّا كان العَرَب يعرفونه مثل: الجَريدَة والمَجَلَة والسَّيارة ().

ويُعَلِّق الدكتور حلمي خليل بعد أنْ يَعْرِض لتَعريفَات القُدَمَاء بقوله: "ليس كل تَغْيير لُغَوي تَوْليداً، ذلك لأن التَّغَيُّر الُّلغَويّ يَشْمَل البُنْيَة الُّلغَويَّة في جوانبها الصَّوْتيَّة، أو الصرفيَّة، أو التَرْكيبيَّة، أو الدلاليَّة، أو فيها جَميعَاً، بينما يَتَّجِه التَّوْليد أساساً إلى التَغيُّر الدَّلَاليّ وحْدَه. مع الأَخْذ بعين الاعتبار التَّغَيُّرات الاشتقاقيَّة والتَركيبيَّة بما لها من اتْصَال مُباشِر في إعطاء الَّلفْظ، أو التركيب دلالة جديدة لم تَعْرِفَها العَرَبِيَّة القديمة" () أي أنَّ تَوْلِيد المَعَانِي للألفاظ في عَصْر الاحتجاج يُعَدُّ من التَّطَوُّر الدَّلَاليّ أضِفْ إلى ذلك الاشْتِقَاق الذي لَبَّى حَاجَة اللغة إلى الاصطلاحات قديماً، وما زال أحد الوسائل الُّلغَويَّة التي يُمْكِن الُّلجوءُ إليها لسَدِّ حاجتنا من الاصطلاحات حديثاً.

وخُلاصَة القَوْل، أنَّ التَّعْريِب ضَرُورَة مُلِحَّة في هذا العَصْر الذي لا تُشارك الأمَّة العَرَبِيَّة فيه حضارياً على وجه فعََّال، وكذلك التَّوَسُع في التَّوْليد مَطْلوب وضَرُورة بِشَرْط أنْ يكون هذا التَّوَسُع مُوَحَداً ومُنْضَبِطَاً؛ لأنَّ عَدَم الانضباط يُوَلِّد تَعَدُدَاً في الأَلْفَاظ للمعنى.

ويمكن للباحث أنْ يَلْمَحَ عِدَّة طُرِقٍ أسَاسيَّة سَلَكَتْها العَرَبِيَّة لتحقيق النُّمُو في ثَرْوَتِها الُّلغَويَّة عن طريق التَّوْليد وقد ذكرها عبد القادر المغربي في كتابه" الاشتقاق والتعريب" ():

الاشْتِقَاق: وهو أنْ يُشْتَق كلمة من مادة عَرَبِيَّة أو مُعَرَّبَة يَعْرفُها أَهْل الِّلسان ولكنهم لم يَعرفِوا الكَلِمَة الجديدة، ولم يَشْتقُّوها مثل: الدَّبَابَة من دَبَّ على الأرض، والفُسْقِية التي اشتُقَت من مادة فَسَقَ، والبيَّارة التي تُطْلَق في فلسطين على بُستان البرتقال واشْتِقَاقها من البِئْر.

التَّعْريِب: وهو أنْ يَنْقلَ المُوَلَّدون إلى لغتهم العَرَبِيَّة، كلمة من لُغَة أَعْجَميَّة لم يكن يَعْرفُها العَرَب من قَبْل، ومثال ذلك كلمة "ماهيَّة" التي يُراد بها المُرَتَب الذي يتناوله الموظف في آخر الشَّهر، وقد تُستَعمَل بمعنى آخر وهو حقيقة الشيء من "ما هو"، وهي مُوَلَّدة من الأَصْل الفَارِسيّ "ما" بمعنى شهر في الفَارِسيّة والمَاهيَّة نسبة إليه أي شَهْريَتُه.

الاستعمال التشبيهي: وهو ما اسْتَعْمَلَه المُوَلَّدون على طريقة التَّشبيه والكِناية؛ لأنَّه لم يُشْتَق من مادة لُغَويَّة اشتقاقاً، ولم يُنْقَل عن أصل أعْجَمِيّ وإنَّما هو كلمة أو تركيب استعملها أهل اللغة ثم استعملها المُوَلَّدون ونقلوه إلى مَعْنَى آخر مثل: القَطْر فقد اسْتَعْمَلَه العَرَب بمعنى المَطَر وقد اسْتَعْمَلَه المُوَلَّدون بمعنى السُّكُّر المُذَاب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير