مدرسة الخليل أول مدرسة عرفتها العربية في تاريخ المعجم العربي , والخليل إمام هذه المدرسة وإمام المعجميين العرب عامة , فهو أول من شقّ أمامهم طريق التأليف المعجمي ودلهم عليه , وفتح لهم بابه.
وقِوام مدرسته ترتيب المواد على الحروف حسب مخارجها , وتقسيم المعجم إلى كتب , وتفريع الكتب إلى أبواب بحسب الأبنية , وحشد الكلمات في الأبواب , وقلبُ الكلمة إلى مختلف الصيغ التي تاتي منها , مثل قوله في باب السين والميم مع الواو والألف والياء: سوم , وسم , سمو , مسو , موس. وإهمال مالم يستعمل إذا لم يجئ , فهو قد أهمل في هذا الباب " ومس " لأن العرب لم تستعمله في رأيه.
وقد سار بعض رواد التاليف المعجمي على نهج الخليل , فالتزمه الأزهري في " التهذيب " وابن عباد في " المحيط " , والقالي في " البارع ".
ولم يكن هؤلاء الرواد مقلدين , ولم يتبعوا الخليل في كل دقيقة من دقائق منهجه , بل خالفوه في بعض منهجه , وأضافوا إلى طريقة الخليل أشياء جديدة , وهذا الجديد الذي أضافوه أو المقصد الذي أرادوه , نتيجة تطور التأليف المعجمي الملحوظ بين البادئ المبتكر , والتابع المتأخر , , ,
فالخليل أراد أن يحصر اللغة – كما حصر العروض – حصراً علمياً , بوساطة الأرقام , وذكر أن عدد أبنية كلام العرب – المستعمل والمهمل - على مراتبها الأربع , من الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي اثنا عشر مليون كلمة.
وطريقة الخليل في الإحصاء طريقة دقيقة مبنية على علم الحساب , فهو رأى أن الحروف التي تتألف منها الكلمات ثمانية وعشرون , والأبنية أربع.
ففي الثنائي –مثلا - ذكر أن عدد أبنيته 756 وذلك ناتج من أن عدد الحروف الهجائية 28 وتضرب في 27 وهي الكلمات التي تتركب مع الحرف الذي تبتدئ به الكلمة , بعد ان يسقط هو نفسه في التركيب مع جنسه , فحرف الهمزة مع الباء فالتاء فالثاء حتى الياء يكوّن سبعاً وعشرين كلمة , فسضرب هذا العدد في عدد الحروف ينتج 756 منها المهمل , ومنها المستعمل.
وهكذا صنع في أبنية الثلاثي فالرباعي فالخماسي.
وطريقة الخليل هي الفاذة في إحصاء مواد اللغة , ولكن الرقم الذ ذكره ليس هو المستعمل , بل فيه المهمل ة وهو كثير , ولعله أكثر من المستعمل.
أما أتباع مدرسة الخليل فقد قصدوا على جمع اللغة , ولكنهم أرادوا مع ذلك ان يسموا عملهم بجديد , فوصف الأزهري عمله في كتابه أنه " تهذيب اللغة " ونفيُ الغلط عنها وتصويب ما لحق بعض ألفاظها من تصحيف وتحريف.
أما ابن دريد فسمى كتابه " جمهرة اللغة " واسمه يدل على مقصده من تأليف معجمه , فهو عنى بتدوين جمهور العربية , أما غيره فيذكره عرضاً , ومقصد ابن عباد في " المحيط " استيعاب المواد واستدراك ما أغفله غيره ممن سبقوه , ومقصد القالي قريب من مقصد الأزهري.
ومن أوجه الخلاف بين رائد هذه المدرسة وأتباعها أن الخليل جعل كل كتاب في معجمه قائماً على حرف من حروف الهجاء , ومقسوماً إلى أربعة أبواب: الثنائي المضاعف , والثلاثي الصحيح , واللفيف , وجعل الباب الرابع للرباعي والخماسيّ.
وكذلك صنع القالي , إلاّ أنه أفرد لكل من الرباعي والخماسي باباً , وعزل ماكان ثلاثياً معتلاً بحرف عن اللفيف , وسماه الثلاثي المعتل.
والأزهري الذي اتبع الخليل وسار على طريقه خطوة خطوة , خالفه في المهموز وأحرف العلّة , فالخليل حشد ماكان معتلاً بحرف أو حرفين مع المهموز دون تفرقة , وجعلهما في باب اللفيف , وأراد الأزهري إفراد المهموز , وعزْله عن المعتل , ولكنه لم يوفق كل التوفيق.
وصنع الصاحب صُنع الأزهري في باب اللفيف , وافتتح الباب بالصحيح , ثم ما كان مبدوءاًُ بالهمزة , ثم ما كان أوله واواً , ثم ما كان أوله ياء , ولكن لم يتّبع الصاحبُ هذا النهج في الثلاثي المعتل.
وأراد ابن فارس التخلص من مدرسة العين , ولكنه لم يستطع أن يخرج عنها , فقد تبع العين في بعض الخطوط التي خطّها الخليل , منها: أنّ ابن فارس قسّم معجمه بحسب الأبنية , وهذا هو بعض قواعد كتاب العين.
¥