الجواب الصحيح للسؤال الأول هو أن التأويل: هو توجيه لفظ متوجه إلى معاني عديدة إلى واحد منها بحسب ما ظهر من الأدلة. فإذا لم يظهر الدليل القطعي للتوجيه اكتفي بطرح المعنى الباطل من تلك المعاني المحتملة بالدليل القطعي كقوله تعالى: (ليس كمثله شيء) (لم يكن له كفؤا أحد) وأُقِر بعد ذلك بنفي العلم بالمعنى المراد مع اعتقاد أن ثمة معنى صحيحا أراده الله تعالى. وهذا بناء على أنه لا يكتفى بالظنون في الاعتقاديات. أما من جوز الاكتفاء بالظنون فيها دفعا للشبهات فيعيّن معنى من المعاني المحتملة التي تصح ـ بعد طرح المحال ـ بما ظهر من الأدلة.
.
الأخ الكريم:
ما تقوله انت هو تكلف و عدّه أئمة السلف من أقوال الجهمية , فقال الإمام الترمذي: (وأما الجهمية؛ فأنكرت هذه الروايات وقالوا: هذا تشبيه. وقد ذكر الله عز و جل في غير موضع من كتابه: اليد والسمع والبصر؛ فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وقالوا: إن معنى اليد ههنا القوة.)
فانظر كيف قال الامام الترمذي رحمه الله ان الجهمية تأولت هذه الايات لأنها توهم التشبيه كما يقولها البعض! و فسرتها على غير تفسير أهل العلم! فقالوا: معنى اليد: القوة!!!!
فثبت لنا من كلام الامام ان لأهل العلم تفسيرا و هو الأخذ بالظاهر اما تأويل الجهمية فهو مدفوع اينما كان
و بقي ان يقال لك: انك وضعت احتمالات للمعاني لا تستطيع الجزم بإحداها! فلم تعرّض نفسك للكلام فيما لا تفقهه؟ و هل أُمرت ان تتكلف ذلك ام تقر بالظاهر؟
ثم التمسك بآية التنزيه لا يتم لك: لأنك تثبت الحياة و السمع و البصر و عندما تأتي لليد و الوجه تتأولها! فما الذي جعلك تقر بتلك و تنفي هذه بدعوى التشبيه؟
و هذا الامام الترمذي ساق الصفات مساقا واحدا فلم يفرّق بين اليد و السمع و البصر!
فلمَ فرّقت بينها؟
الجواب الصحيح للسؤال الثاني بعد تسليم أن كل أقوال السلف الصالح فردا فردا قد نقلت لنا بالتواتر أنها وإن لم تدل على التأويل بالمعنى الصحيح المتقدم إلا أنها لم تدل صراحة ودلالة قطعية على أنهم يحملون الآيات والأحاديث المختلف في مفهوها على المعنى الظاهر المقتضي للمحسوسية والجزئية والتبعيض في حق الله تبارك وتعالى. والقطع عليهم بأنهم أرادوا المعاني الظاهره اللازمة لما ذكر قطع لا مستند له.
قولك بالجزئية و التبعيض هو من عندك! فلم يقل احد ان هذه الصفات أبعاض و أجزاء! و إذا فهمتَ انت ذلك فهو فهم خاص بك لا تلزم به مخالفك!
أما اهل السنة فيقولون ان هذه الصفات لها معنى لا يخالف ظاهرها , و هو معنى مفهوم واضح , لأن من أقر بأن السمع و البصر و الحياة لها معان مفهومة وجب عليه الإقرار بذلك في بقية الصفات اما المنازعة في ذلك فلا يتم له إلا بالتناقض فيما أثبته و فيما نفاه
و أئمة السلف قاطبة على إثبات هذه الصفات على ظاهرها أي انها واضحة بيّنة و من العي تطلب معناها لأنها واضحة بيّنة المعنى , و المعنى يُطلب إن كانت الكلمة أعجمية أما ان كانت عربية فالمعنى واضح لا يُطلب الا لزيادة الإفهام ان كانت الكلمة غريبة او نحو ذلك
فمثلا: كلمة العلم واضحة المعنى في نفسها فمهما عرفّتها فلن تستطيع تعريفها بأوضح من نفسها حتى اعترف الغزالي بذلك في المنخول فقال: ((والمختار أن العلم لا حد له إذ العلم صريح في وصفه مفصح عن معناه ولا عبارة أبين منه، وعجزنا عن التحديد لا يدل على جهلنا بنفس العلم))
الجواب الصحيح للسؤال الثالث أنه وإن سلم الاتفاق على أن السلف فردا فردا لم يأولوا ـ بمعنى لم يعينوا للمتشابهات معنى من المعاني الصحيحة ـ فلا يسلم أنهم اتفقوا على الحمل على الظاهر المفيد للتجزء والتبعض والمحسوسية في حق الإله تعالى، بل المنقول عن الإمام أحمد هو الإيمان مع نفي الكيف والمعنى، ونفي العلم بالمعنى والكيف لا يمكن إنكاره عن الإمام أحمد ولا تأويله، فهو صريح في أنه لا يحمل المتشابهات على المعنى الظاهر وإلا لما كان لنفيه للمعنى فائدة لأن كل من يقوِّله أنه يحمل المتشابهات على الظاهر يدعي أن المعنى معلوم قطعا وجزما وأنه ليس سوى ما يفهمه العامي.
الظاهر ليس مفيدا للتجزيء و التبعيض إلا عندك , فمن ليس كمثله شيء صفاته كذلك , و كل صفة لموصوف فهي بحسبه فإن كان يقبل التجزيء و التبعيض و الانقسام والتفرق فصفاته مثله كالانسان و الحيوان
و من كان ليس كمثله شيء فصفاته مثله لا مثل و لا ند و شبيه
فمن أين لك ان صفات الله تعالى تعني التبعيض و الانقسام؟؟ هذا فهم خاص بك لا يلزم مخالفك
و لا نسلّم ان إثبات الصفات لله تعالى يقتضي ما تسميه بالتبعيض و التجزيء
فتبين بهذا أن ما اعتبرته أخي من المحكم والمتفق عليه ليس محكما ولا متفقا عليه، فما فعلت أخي سوى رد المتشابه إلى المتشابه، وباقي كلامك أخي مبني على ما اعتقدته أصولا محكمة متفقا عليها، وهي ليست كذلك. وبالله تعالى التوفيق.
بل هو بحمد الله محكم و لعلك تراجع و تقرأ الكلام مرة أخى فما قعقعت به لا يتم لك لما ذكرته بأعلاه
كما أرجو من إخواني التركيز على الموضوع الأساسي وهو مفهوم كشف الساق في الآية والحديث ومدى تطابق الواقعتين أو اختلافهما بأدلة معتبرة
لن تُحل هذه إلا بالاتفاق على الأسس و الأصول فإذا ثبت الأصل ثبت التفريع و اذا انهدم الأصل بطل التفريع , فالنقاش في الفرعيات مع المخالفة في الأصول: لن يصل بنا الى نتيجة
و الله الموفق
¥