تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إخواني وأخواتي الكرام، أحبكم في الله وإن خالفتموني ـ لأن نواياكم فعلا صادقة ـ، لكن أقول لكم: نعلم بالضرورة أن السواد الأعظم من علماء الإسلام ـ باستثناء الشيعة فلا عبرة بهم ـ يخالفون منهجكم في الاستدلال على العقائد وفي فهم آيات الصفات الخبرية. وهذا واقع لا مفر منه. فمثلا السواد الأعظم من علماء الغرب الإسلامي منذ قرون طويلة وبلا استثناء، وعلماء الأندلس والمصريين، وعلماء الحجاز، وسائر علماء ما وراء النهر، وسائر أتباع أئمة الفقه أبي حنيفة ومالك والشافعي وجماعة من أعيان أصاحب أحمد رضي الله عنهم أجمعين يخالفونكم في فهم آيات وأحاديث الصفات المتشابهة، التي يعتبرونها تحتمل معاني عديدة منها الصحيح عقلا وشرعا ولغة ومنها الباطل كذلك، ولا يقولون بأنها محمولة على ظاهرها وأنها نصوص قاطعة في ذلك المفهوم الظاهر. وكلامي مثبت بالأدلة الحسية التي لا تنكر أصلا. كيف ومصنفاتهم من اللغة والحديث والتفسير والفقه وغير ذلك قد وصلت إلينا وشهدت بصحة ما أقول؟.

فهل يعقل يا أحبابي أن يتواطئ ذلك الجمع الغفير والسواد الأعظم من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي فات حد التواتر بمراحل وفي العديد من القرون على إنكار دلالة واضحة صريحة لدليل شرعي من آية أو حديث على صفة معينة ويتعسفون في تأويلها أو تحريف معناها كما تدعون، سواء عن قصد أو غير قصد؟؟؟؟؟؟ فإذا كان ذلك واقعا فتلك الطامة الكبرى والقاصمة العظمى التي لو سلمنا بها وتمسك بها أعداء الدين من الملاحدة والعلمانيين وفهموا أبعادها لوظفوها لأهدافهم الخبيثة التي من أسسها تقويض الثقة في علماء المسلمين. تأملوا تأملوا هدانا الله أجمعين للحق المبين.

إخواني الأعزاء والفضلاء. انسوا مسألة أن الأشعرية أو الماتريدية أو القرطبي وابن حجر أو النووي أو غيرهم من الفضلاء قد خالفوا الدلالات الواضحة الصريحة التي لا تحتمل إلا معنى واحد، وأن الشارع ما قصد إلا ذلك المعنى الظاهر الواحد الذي لا يجوز الحمل على غيره. انسوا هذه الدعوى فإنها تهدم الثقة في علماء الأمة هدما ليس بعده بناء. والله من وراء القصد، وبعد ذلك جمع الشمل فهو أنبل قصد.

ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[04 Oct 2008, 08:08 م]ـ

مقدمة " طبقات أهل السنة السنية، المجانبين للكلابية الأشعرية ".

إنّ الحمد لله؛ نحمده و نستعينه و نستغفره، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا، و سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فهو المهتد، و من يضلل؛ فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، و أشهد أن محمّدًا عبده و رسوله.

أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتاب الله، و أحسن الهدْي هديُ محمد صلى الله عليه و سلم، و شرّ الأمور محدثاتها، و كل محدثة بدعة، و كل بدعة ضلالة، و كل ضلالة في النار.

لقد امتنّ الله تعالى على هذه الأمة المرحومة؛ فأكمل لها دينها، و أتمَّ عليها نعمته، و رضي لها الإسلام دينا، و بعث فيها خير رسله محمّداً صلى الله عليه و سلم؛ فبلغ الرسالة، و أدّى الأمانة، و تركها على المحجة البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.

و قد مضى على سُنَّتِه الغرّاء، و محجّته البيضاء، صحابتُه الكرام – رضي الله عنهم -، و تابعوهم بإحسان؛ من أهل الحديث و السُّنَّة و الأثر، يُوصي بذلك أولُهم آخرهم، و يقْتفي لاحقهم أثر سابقِهم، إلى أن نَجَم قَرْنُ البدعة، و نبغ رؤوس أهل الأهواء و الفتن؛ فقام أهل السُّنَّة يصيحون بهم من أقطار الأرض؛ يُحَذّرون، و يُنْذِرون، و يَعْذُرون إلى ربِّهم؛ نصيحة للأُمّة، و براءةً للذِّمًّة.

و بذلك ردُّوا البدع إلى جُحُورها؛ فلا تُطِلُّ برأسها إلاّ استُؤْصِلَتْ بسيْف السُّنَّة، و صارم الحُجَّة؛ فعاشَتْ الأُمّة قرونا مباركةً: السُّنَّةُ فيها ظاهرة، و الأهواءُ فيها داحرة، و البدعُ فيها بائرة داثرة، إلى أنْ تَسَلَّلَ المبتدعة إلى مناصبَ عاليةٍ؛ من وزارةٍ، و قضاءٍ، و إفتاءٍ، و تظاهر بعضهم بموافقة السُّنَّة، و مُنَاصَرَةِ أهلها، و انبرى بعضُهم للرد على الزنادقة، و الروافض، و الباطنية، و المعتزلة و نحوهم=فاغترَّ بعض أهل السُّنَّة ببعضهم؛ فزكَّوْهُم، و أثْنَوا عليهم، فاندسُّوا بين أهل السُّنَّة، ينشرون بدعهم بشبهات مُزخْرَفةٍ مُلفَّقةٍ، و تمويهات منمَّقة مُزوَّقة!

‍‍

و حسبُك مثالاً على ذلك: أنْ تتذكَّر أنَّ أهل المغرب عاشوا رَدحا من الزَّمن على السُّنَّة و الأثر، لا يخوضون في الكلام و الفلسفة (1)، إلى أن وقع ما سيأتيك نبؤُه المروِّع المُفْزِع!

ذكر أبو الوليد الباجي في اختصار فرق الفقهاء عن أبي ذر الهروي (2)؛ قال: كان سبب أخذي عن القاضي أبي بكر (3)، و معرفتي بقدره: أنّي كنتُ مرَّةً ماشياً ببغداد، مع أبي الحسن الدارقطني (4)، إذ لَقِيتُ شاباً، فأقبل الشيخ عليه، و عظَّمه، و دعا له، فقلت للشيخ من هذا الذي تصنع به هذا؟! فقال لي: هذا أبو بكر بن الطيب؛ نصر السنة؛ و قمع المعتزلة – و أثنى عليه ...

قال أبو ذرّ: فاختلفتُ إليه، و أخذْتُ عنه مِن يَوْمِئِذٍ.


(1) أنظر سير أعلام النبلاء 17/ 557.
(2) راجع: ترتيب المدارك 7/ 46، و تبيين كذب المفتري ص 255 - 256، و سير أعلام النبلاء
17/ 557.
(3) هو: محمد بن الطيب الباقلاني الأشعري.
(4) قال – كما في سؤالات السلمي (480): " ما في الدنيا شيء أبغض إليَّ من الكلام ".
فالظاهر أنه أثنى عليه؛ لأنه لم يخبُر أمره، و لم يَسْبِر غَوْرَهُ.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير