هذه المسألة قد أثيرت في الحلقة الأخيرة تعليقاً على سؤال أحد المشاهدين عن قوله تعالى في سورة الذاريات (والسماء بنيناها بأييد وإنا لموسعون) ورأيتُ أنا أن قوله تعالى: (يوم يكشف عن ساقً) في سورة القلم نظيرة لها في كونهما ليستا من آيات الصفات. فطرحت السؤال للنقاش مع الدكتور مساعد الطيار من هذا الجانب.
وبالنسبة لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ففي رأيي ورأي الدكتور مساعد الطيار أنه لا يحتمل التأويل مطلقاً، وأن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (فيكشف ربنا عن ساقه ... ) واضحة لكل من يعرف العربية على وجهها. ولستُ أرى إشكالاً في فهمها على هذا الوجه لا في حق الله سبحانه وتعالى، ولا في حق العبد المؤمن ولا في أسلوب العربية الفصحى.
وأنا على قناعة يا أخي الكريم نزار أنك تكتب ما تكتب عن قناعة، وكذلك من يخالفك، ولسنا في شك من هذه الأمور العقديَّة ولله الحمد، ولسنا على جهلٍ بلغتنا وكتابِ ربِّنا وكلام علماءنا من الصحابة والتابعين وأتباعهم بإحسان إلى اليوم لهذه الدرجة التي تتوقعها وتظهر من طريقة كلامك بالرغم من قوة الأدلة التي ذكرتها لكم الأخت التي تكتب باسم العقيدة وكلام الزميل عبدالرحمن السديس.
وسامحني فلن أجاملك في هذه المسائل مع تقديري الشديد لشخصك الكريم حفظكم الله ورعاكم. ولكن ما دمت قد طرحت المسألة فتقبل رأينا حفظك الله بصدر من يبحث عن الحق.
وتالله إن مقصودنا هو الحق فقط، ولو ثبت لنا بطريق صحيح أن الله لا يليق به أن نثبت له ساقاً أو يداً أو غيرها من الصفات التي أثبتها لنفسه أو أثبتها له رسوله لنفيناها عنه، وماذا يضرنا في ذلك؟
ولكن هي مسألة علمية بحتة ثبتت بطريق علمي صحيح فقلنا بها لا أقل ولا أكثر.
وكثرة ترداد أن الإمام النووي أو ابن حجر أو الخطابي من قبلهما رحمهم الله جميعاً يستحيل عليهم الخطأ في هذه المسائل فهذا كلام لا أرى حاجة لترداده ما داموا قد خولفوا بمن هو أكثر وأقدم وأعلم وأرسخ في العلم وكلهم لهم مكانتهم الكبيرة عندنا لكن بقدر واعتدال وعدم غلو فيهم.
.
ـ[أبو جمانة]ــــــــ[07 Oct 2008, 11:42 ص]ـ
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: (اعلم وفقك الله تعالى أني لما تتبعت مذهب الإمام أحمد رضي الله عنه رأيته رجًلا كبير القدر في العلوم، قد بالغ رحمة الله عليه في النظر في علوم الفقه ومذهب القدماء، حتى لا تأتي مسألة إلا وله فيها نص أو تنبيه إلا أنه على طريق السلف، فلم يصنف إلا المنقول، فرأيت مذهبه خالياً من التصانيف التي كثر جنسها عند الخصوم. فصنفت تفاسير مطولة منها (المغنى مجلدات) و (زاد المسير)، و (تذكرة الأديب)، وغير ذلك.
وفي الحديث: كتبًا منها (جامع المسانيد)، و (الحدائق)، و (نفي النقل)، وكتبًا كثيرة في الجرح والتعديل، وما رأيت لهم (تعليقه) في الخلاف إلا أن القاضي أبا يعلى قال: كنت أقول ما لأهل المذاهب يذكرون الخلاف مع خصومهم ولا يذكرون أحمد؟ ثم عذرتهم، إذ ليس لنا تعليقة في الفقه.
قال: فصنفت لهم تعليقة.
قلت: وتعليقته لم يحقق فيها بيان الصحة والطعن في المردود، وذكر فيها أقيسة طردية. ورأيت من يلقي الدرس من أصحابنا من يفزع إلى تعليقة الاصطلام أو تعليقة أسعد، أو تعليقة العالمي، أو تعليقة الشريفة استعارات. فصنفت لهم تعاليق منها (كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف) ومنها (جنة النظر وجنة الفطر) ومنها (عمد الدلائل في مشهور المسائل)، ثم رأيت جمع أحاديث التعليق التي يحتج بها أهل المذهب، وبينت تصحيح الصحيح، وطعن المطعون فيه وعملت كتاباً في المذاهب أدخلتها فيه، وسميته (الباز الأشهب المنقض على مخالفي المذهب) وصنفت في الفروع كتاب (المذهب في
المذهب) وكتاب (سبوك الذهب) وكتاب (البلغة) وكتاب (منهاج الوصول إلى علم الأصول) وقد بلغت مصنفاتي مائتين وخمسين مصنفًا.
ورأيت من أصحابنا من تكلم في الأصول بما يصلح، وانتدب للتصنيف ثلاثة أبو عبد الله بن حامد. وصاحبه القاضي، وابن الزاغوني فصنفوا كتبًا شانوا بها المذهب، ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام، فحملوا الصفات على مقتضى الحس. فسمعوا أن الله تعالى خلق آدم على صورته، فأثبتوا له صورة ووجهًا زائدًا على الذات، وعينين وفمًا ولهوات وأضراسًا وجهة هي السبحات ويدين وأصابع وكفًا وخنصرًا وإبهاماً وصدرًا وفخذًا وساقين ورجلين.
¥