تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

د. عمر: الآيات كلها (آمنوا وعملوا الصالحات) إلا هذه الآية (صبروا وعملوا الصالحات) أنت الآن في مقام صبر، الإيمان موجود لكن أحياناً يضعف الإنسان وتصيبه حالة يأس وإحباط فيحتاج معها إلى تصبير وتثبيت وهذا التصبير والتثبيت من أعظم أسبابه ومقوماته العمل الصالح، ما هو هذا العمل؟ إنتظر إلى آخر السورة.

ثم لاحظ التفريع وهذا التفريع يؤكد ما ذكرته آنفاً (فَلَعَلَّكَ) هذا التفريع الآن جاء بعد قوله (إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ) وما قبلها من آيات، يقال له لا، إنتظر لا تترك بل كيف تترك هذا وما سبق من المعاني التي ذكرناها في العلم وإدارة شؤون الخلق وتدبير شؤون الخلق بالإضافة إلى الحث على الصبر ثم بعد ذلك ذكر الله له انقسام الناس معه ومع الرسل كلهم فقال سبحانه وتعالى (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ (17)) أنت الآن يا محمد على بينة من الله هل تستوي أنت ومع من ليس كذلك؟ (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ) سواء قلنا إنه جبريل أو غيره معك شاهد الآن (وَمِن قَبْلِهِ) معك مصدقون على هذا الطريق وسائرون على الطريق، موسى إمام الرحمة (وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً) هل يستوي هؤلاء والقسم الآخر الذين يكفرون به؟! لا والله لا يستوون، ثم شبه الله هذين القسمين (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (24)) ثم بيّن الله عاقبة هؤلاء بأنهم الأخسرون وأيضاً هذا الموضع الذي يؤكد التثبيت جاء التعبير بصيغة أفعل التفضيل (لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ (22)) وفي النحل قال خاسرون (لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ (109))، هنا الأخسرون ليتبين حقارة ودناءة هؤلاء في مقابل الميراث الذي تحمله أنت.

ثم جاء السياق في ضرب أمثلة في تاريخ الرسل الطويل عليهم الصلاة والسلام وهذه تحتاج إلى وقفات لأربط هذه القصص بالآية التي أزعم أنها محور السورة (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ).

هنا نلاحظ في قصة نوح لم تذكر هذه القصة بالبسط كما ذكرت في سورة هود، في سورة الأعراف ذكرت مختصرة، سورة نوح المتوقع أن يبسط فيها الأمر أكثر من هنا ومع ذلك لم يبسط لأن سياق سورة هود كان القصد منه التثبيت (وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ (120)). نلحظ في قصة نوح عدة براهين تؤكد دورانها حول هذا المحور: الأمر الأول لم تفصّل في غير هذا الموضع، الأمر الثاني إبراز مقولة الملأ (مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا) هذه كلمة كان يقولها كفار قريش قيلت لمن قبلك أيضاً، لاحظ لغة التحقير التي كان يمارسها قوم نوح (وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ (27)) أراذلنا تحقير وهذه أدركها هرقل لما قال اشاف الناس أو ضعافهم. التنصيص على كلمة (بينة) فيقول نوح (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ (28)) وتتبعت كلمة بينة فوجدتها أكثر ما وردت في سورة هود، فأنت على بينة، نوح على بينة، صالح كان على بينة، هود على بينة، شعيب كلهم جاؤوا ببينة ومع ذلك كذبوا هل تريد أن تكون أنت نسيجاً مختلفاً عن هؤلاء الرسل؟ أيضاً التنبيه على مسألة الافتراء والكذب التي رُميت بها ليست جديدة (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ (35)) وأيضاً نلاحظ (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (40)) لاحظ يا محمد كم آمن معك؟ قلّة! نوح أطول منك عمراً في تاريخ الدعوة ومع ذلك ما آمن معه إلا قليل، وطِّن نفسك هذه طريق مسلوكة ولا تربط دعوتك بكثرة الأتباع. قصة نوح فيها التنبيه على كفر إبنه فكأنه يقول يا محمد إستعد فقد يكفر بك من حولك وبالفعل وقع عمه أبو طالب مات على الكفر وأبو لهب. وختم القصة حينما قال (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)) إصبر لا تستعجل، هذا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير