تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فقال ابن عباس وجمهور المفسرين: كان التحدي أول الأمر بأن يأتوا بعشر سور مثل القرآن. وهو ما وقع في سورة هود، ثم نسخ بأن يأتوا بسورة واحدة كما وقع في سورة البقرة وسورة يونس، فتخطى أصحاب هذا القول إلى أن قالوا إن سورة هود نزلت قبل سورة يونس، وهو الذي يعتمد عليه.

وقال المبرد: تحداهم أولا بسورة ثم تحداهم هنا بعشر سور لأنهم قد وسع عليهم هنا بالاكتفاء بسور مفتريات فلما وسع عليهم في صفتها أكثر عليهم عددها، وما وقع من التحدي بسورة اعتبر فيه مماثلتها لسور القرآن في كمال المعاني، وليس بالقوي.

إلى أن قال في (11/ 352):

والإشارة من قوله: {في هذه} قيل إلى السورة وروي عن ابن عباس، فيقتضي أن هذه السورة كانت أوفى بأنباء الرسل من السور النازلة قبلها وبهذا يجري على قول من يقول: إنها نزلت قبل سورة يونس، والأظهر أن تكون الإشارة إلى الآية التي قبلها وهي: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض} - إلى قوله -: {من الجنة والناس أجمعين} فتكون هذه الآيات الثلاث أول ما نزل في شأن النهي عن المنكر" انتهى.

ـ محور السورة كلها ـ والعلم عند الله ـ يدور على قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [هود: 12] = تسلية النبي ج وتثبيت قلبه.

وبراهين هذا، لعلي أوضحها فيما يلي باختصار:

1.في الآيات التي قبلها تنويه واضح بعظمة هذا الوحي الذي أوحاه الله تعالى إلى هذا النبي العظيم، من إحكام وإتقان، فكيف يقع في قلبك فتور عن الاحتفاء به والدعوة إليه، وهو بهذه المثابة؟ وتلا هذه الآية ـ التي يمكن أن نسميها آية المحور ـ تحدٍّ للمشركين أن يأتوا بعشر سور فقط من مثل سور هذا القرآن.

2.تحدث صدر السورة عن سعة علم الله U ، وأنه المتولي لشؤون خلقه، وكأن هذه تقول: إن ما يدور في مكة من كيد لك ولأصحابك، وما تعانيه من همٍّ لا يخفى على الله تعالى، والذي دبّر شؤون الحشرات الصغيرة والدويبات الضعيفة، فلن يترك خيرة الرسل وصفوة الخلق ج ومن معه وهم يبلغون رسالات الله وينصرون دينه.

3.المقولات التي قالها أعداؤك لك من سحر وتكذيب ليست جديدة، وستسمع في ثنايا السورة أنواع من الأذى اللفظي والمعنوي الذي لحق بإخوانك من الرسل.

4.الموضع الوحيد الذي ورد في القرآن الكريم بالثناء على من جمعوا بين الصبر والعمل الصالح هو في سورة هود، بل وفُرّع عليها محور السورة، فقال سبحانه: {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) فَلَعَلَّكَ ... }

5.ثم يأتي تثبيت بأسلوب آخرعلى طريقة الاستفهام التقريري: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ [هود: 17].

6.ثم يأتي بعد ذلك الحديث عن هوان أعدائه على الله، ولكن لحكمة بالغة يستدرجون ويمهلون: {أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ}.

7.ثم ينتقل الحديث لبيان عاقبة المتبعين له، وأن حال من استجاب لك وأعرض عنك كحال الأعمى والأصم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير