8.ثم ينتقل الحديث ـ وهذا لب السورة ـ إلى نماذج من سير إخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لكن سياق القصص هنا يختلف عن سياقها في أي سورة من القرآن، وبيان ذلك كما يلي:
9. لم تفصل قصة نوح كما فصّلت هنا حتى في سورة نوح نفسها، ونلاحظ في هذه القصة في سورة ود التنبيه إلى أمور:
&إبراز مقولة الملأ: {ما نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ [هود: 27].
&التنصيص على كلمة بينة، ففي الأعراف مع بسط القصص فيها لم تذكر كلمة (بينة) إلا مرتين، بينما في هود خمس مرات (أفمن كان على بينة) + قصة نوح، هود (ما جئتنا ببينة)، صالح، شعيب!
&التنبيه على مسألة الافتراء والكذب: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ [هود: 35].
&وما آمن معه إلا قليل مع طول المدة التي قضاها في الدعوة، ألف سنة إلا خمسين عاماً!
&كفر ابنه به هو رسالة تقول: استعد فقد تجد من أهل بيتك من يناصبك العداء.
&ختم قصة نوح بقوله تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49]
10.أما إذا انتقلت إلى قصة هود ج، فإنك ستجد فيها ما يقوي ارتباطها بمحور السورة وذلك فيما يلي:
&لفظة البينة كما سبق.
&تهمة الجنون التي قيلت لك قيلت لإخوانك من قبلك: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} جرياً على سنة الله الماضية: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} [فصلت: 43].
&قوة التوكل التي أعلنها هود في وجه قومه مع أنه واحدٌ وهم أمة .. وهي رسالة واضحة للنبي ج: {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
11.أما إذا انتقلت إلى قصة صالح ج، فإنك ستجد فيها ما يقوي ارتباطها بمحور السورة وذلك فيما يلي:
&لفظة البينة كما سبق، وهي هنا آية مبصرة يدركها كل أحد ـ وهي الناقة ـ ومع هذا كفروا رغم وضوحها البيّن! فإذا وجدتَ من يكفر بآيتك فلا تعجب فقد كُذّب بما هو أوضح منها، {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59].
&قوله تعالى: {قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا} وهكذا كانت قريش تقول للنبي ج.
12.أما إذا انتقلت إلى قصة إبراهيم، فإن ملامح التبشير والفرج فيها أكثر من ملامحها في سورة الذاريات، فيلاحظ المتأمل التركيز في قصة إبراهيم على ما يتعلق ببشارته بولده، فهي وإن بسطت في سورة الذاريات لكنها ههنا بسطت بشكل أكبر، تأمل: المرأة قائمة وبشرت بإسحق، ثم بشرت بيعقوب من بعد إسحاق، جاء هذا بعد سنين من عدم الإنجاب، يقال إنها تجاوزت المائة في حق إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فبعد الشدة واليأس يأتي الفرج، ففيها إشارة وتسلية للنبي ج أنه مهما امتدت لحظات الشدة، أو انعقدت غيوم اليأس، فبعدها الفرج والخير،، وفرج الله إذا جاء فلا يقدر أحدٌ على وصف وقعه في النفس.
13.وفي قصة لوط يلاحظ ما يلي:
&مظاهر الإحباط بيّنة جداً، ولا تجد هذا الظهور فيها كما في سورة الحجر، تأمل معي: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ / وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا/ وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ}.
¥