د. إبراهيم: يمكن أن نسميه آداب الدعاء ومن الممكن أن نعطيه عنوانا على كل من يظن أنه ميؤوس من حالته عقيم ابتُلي بآفة يظن أنه لا مخرج منها نقول "الدعاء يصنع المعجزات" لكن بشرط أن تعرف شروط الدعاء وما يحتف به من أمور تجعل دعاءك مستجاب. تأمل ما احتفّ بدعاء زكريا عليه السلام حتى استجيب:
أولًا: (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (1)) كان عبدًا لله، وفي سورة الأنبياء (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)) كانوا في السابق قبل الدعاء ولذلك من عرف الله في الرخاء عرفه في الشدّة.
ثانيًا: (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا (3)) إخفاء الدعاء أدعى للإخلاص وأدعى لرقّة القلب ينبغي أن يكون دعاءك خفيًا وفي القرآن (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) الأعراف)
والثالث: قال (قَالَ رَبِّ) لم يقل (يا رب) قال (رب) بدون (يا) تأمل نداء إبراهيم لأبيه قال (يا أبت) وكررها عدة مرات مع أنه مجاور له يسمعه ويراه لكن بـ (ياء النداء) أما زكريا (رب) لشعور العبد بقرب الرب وأنه أقرب من جليسه فالرب أقرب لإبراهيم من أبي إبراهيم ولذلك تجد في القرآن (ربنا) ولا تجد يا ربنا، تجد اللهم ولا تجد يا الله لاستشعار العبد بالقرب.
ثم ذكر الاستضعاف (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا (4)) هذا الاستضعاف أجدى للقبول وكلما استضعف العبد لربه واستكان وتذلل كلما كان أحرى بقبول دعائه.
ثم شكر النعمة السابقة (وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) كنت في الاسبق يا رب تجيب دعائي ما عهدت أنك رددت لي طلبا ما كنت بدعائك يا رب شقيًا وهذا الشكر يقتضي المزيد
د. عبد الرحمن: رجل قال لرجل كريم أكرمه أنا فلان الذي أحسنت إليّ العام الماضي قال مرحبًا بمن تشفع إلينا بنا
د. إبراهيم: وهذا من هذا، تتشفع بالله بكرمه السابق وبإحسانه السابق ولن تعدم.
وايضًا شدة الحاجة (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5)) ذكر أنه يخشى على تراث وميراث الأنبياء ويخشى عليهم من الضيعة ولم يجد من بني إسرائيل في زمانه من هو أهل أن يحمل هذا الميراث فاجتمعت هذه الأمور واحتفّت فاستُجيب لزكريا فاحرص يا عبد الله أن تجعل دعاءك يحتفّ به ما احتفّ به دعاء زكريا
د. عبد الرحمن: ولعل مثل هذه النصائح تكون مناسبة في مثل هذه الليالي الذي يكثر فيه دعاء القنوت ويكثر فيها دعاء الله سبحانه وتعالى.
د. عبد الرحمن: لفت نظري في قصة زكريا أنه حتى لما منع من الكلام في قوله سبحانه وتعالى (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)) هو فقد القدرة على الكلام آية على حمل زوجته وبالرغم من ذلك لم يتوقف عن الدعوة
د. إبراهيم: هذه لفتة جميلة ينبغي أن نغفلها وهي أن الداعية الموفق بتوفيق الله سبحانه وتعالى لا يدع الدعوة لأي غرض من الأغراض حتى يأتيك اليقين لأن الله قال (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)) لا بد من التواصي بالصبر حتى الممات. زكريا عليه السلام منع من الكلام ولم يستطع أن يدعو قومه وثلاثة أيام فقط ومع ذلك لم يدع الدعوة في هذه المحنة فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم بلغة الإشارة لم يستطع الكلام إذن بقي لغة الإشارة نقتنص من هذا أن الداعية الموفق إذا منع من قناة رسمية ينطلق إلى قنوات أخرى ومجالات أخرى لن يعدم المؤمن من انترنت قناة فضائية كتابة تأليف كتب لا تقل أنا مُنِعت فزكريا مُنِع وبحث عن وسيلة أخرى.
د. عبد الرحمن: في قصة مريم وهي القصة الرئيسية في هذه السورة مريم عليها السلام فوجئت بحمل عيسى وتمنت الموت (قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا (23)) ثم كانت العاقبة ما ذكره الله في هذه السورة، هل من تعقيب على هذه القصة؟
¥