تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

د. إبراهيم: ممكن أن نعنون للفائدة التي نقتنصها من قصة مريم وفيها فوائد عجيبة وكثيره لكن ما لا يُدرك كله لا يترك جُلّه المحنة تلد المنحة فمريم عليها السلام ابتليت بهذا البلاء وتمنت الموت (قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا) وتأمل الموقف الهائل الذي لا يستطيع أقوى رجل أن يقفه حينما أتته بها قومها تحمله قالوا (قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)) موقف صعب! هذه محنة فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أن مريم صارت سيدة نساء العالمين بلا منازع وهي المرأة الوحيدة التي ذكر إسمها في القرآن كل النساء إمرأة فلان أما مريم فبإسمها الصريح ثم ولدت هذا الولد المبارك الذي سُطر إسمه في التاريخ وغيّر التاريخ وكما قال الله تعالى (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا (21)) كان رحمة، ولو لم يكن من رحمة الله بهذا المولود المبارك إلا أنه كان تمهيدًا لبعثة محمد صلى الله عليه وسلم بلسان الحال وبلسان المقال ولا يستدعي المقام التطويل لهذا لكنه رحمة.

د. عبد الرحمن: يلفت نظري في قصة مريم في سورة مريم وفي سورة آل عمران أن الله يزاوج بين قصة زكريا وقصة عيسى فما الحكمة؟

د. إبراهيم: الحكمة واضحة وهي يحيى عليه السلام تمهيد للأمر الغريب الذي لا يكاد يصدق وهو ميلاد عيسى عليه السلام من أم دون أب فجاءت قصة يحيى عليه السلام وولادته من عجوز عقيم، العقيم إذا كانت شابة لا تلد فكيف إذا كانت عجوزًا؟! ثم إذا كان بعلها شيخًا هرِمًا ثم هذا الشيخ الهروم أمامه عجوز يمكن لو كانت أمامه شابة يتحرك لكن أمامه عجوز ثم يأتي هذا المولود فيكون يحيى عليه السلام تمهيدًا لجعل الناس يصدقون أنه من الممكن أن تلد أنثى من غير زوج.

د. عبد الرحمن: لفتة رائعة جدًا.

د. إبراهيم: ولذلك ذكر في سورة آل عمران (أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ (39)) مبشرًا بعيسى.

د. عبد الرحمن: قصة إبراهيم عليه السلام في هذه السورة قصة جديرة أن نتوقف معها وإبراهيم عليه السلام تكررت قصته في القرآن الكريم لكن في سورة مريم هنا جاء الحديث والحوار بينه وبين والده، جدير أن نتوقف معه.

د. إبراهيم: أولًا من الممكن أن نقتنص فائدة من حوار إبراهيم عليه السلام مع أبيه. قبل هذا لنسمع الآيات: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)) تأملوا هذا الحوار العطوف بين إبن عالِم نبيّ رؤوف بأبيه وبين أب قاسي غليظ كافر فاجر فالفائدة التي نقتنصها والتي تفيد الإنسان في واقعه المعاصر، نحن لا نتحدث عن تاريخ مضى لكن نتحدث عما يفيدنا في الوقت المعاصر. إذا كان الأسرة فيها خلل إما أن يكون الأب هو المقصر في حقوق الله سبحانه وتعالى أو الإبن هو المقصر في حقوق الله تعالى هل ينبغي أن تكون هناك مفاصلة مقاطعة بين من يرى نفسه تقيا وبين الآخر الذي يُرى أنه مقصِّر أو مخل بطاعة الله سبحانه وتعالى؟ قصة إبراهيم تفيد أن العلاقة بين الأبناء والآباء ينبغي أن لا تتوقف ولا ينبغي أن تكون العقيدة ما نعة من الرحمة في جوانب. تأمل إبراهيم يخاطب أباه (يَا أَبَتِ) ويكررها عدة مرات ثم لما هدده الشيخ العصي في جاهليته (لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)) قال إبراهيم (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ (48)) تأمل تاريخ إبراهيم عليه السلام في أخريات أيامه وبعد أن بُشر بإسماعيل وإسحق وقد جاوز الثمانين (رب اغفر لي ولوالدي) ولم يتبرأ من أبيه إلا في آخر لحظات حياته

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير