تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الموضوع الثالث هو الحديث عن البعث وأنا أخّرت هذا الموضوع مع أنه ذكر في بداية السورة وفي آخرها أيضًا وكأنه سبحان الله في هذه السورة ذكر لشيء مجمل في البداية ومفصل في نهاية السورة في الحديث عن اليوم الآخر. والحقيقة أن الحديث عن اليوم الآخر في مثل هذا الزمن يحتاج أن يطرح للناس بطريقة تختلف عن الطرح المعتاد فالناس يعرفون أن هناك جنة ونار لكن أحيانًا يغيب عنا حمل الهمً لهذه الجنة ولهذه النار ولذلك كان السلف رحمهم الله يتعاملون مع هذا الأمر بشكل غريب ما كان ذكر الآخرة يغيب عن عقولهم وقلوبهم أبدًا حتى في العبادات التي يتعبدون بها الله للنجاة من هول اليوم الآخر هم يستصحبون فيها هذه الصورة. فمثلًا في الصلاة كلنا نصلي السلف رحمهم الله ينظرون إلى الصلاة أن فيها تذكير للوقوف بين يدي الله ولهذا سعيد بن عبد العزيز رحمه الله إذا قام للصلاة يسمع من يصلي بجواره وقع دموعه على الحصير وهو واقف في الصلاة فيسألونه لماذا يحدث ذلك قال ما وقفت للصلاة إلا واستحضرت جهنم، هو كان يستصحب الصورة أمام عينيه. عندما نصوم الآن ينبغي أن يكون الصيام مذكِّرًا لنا بأننا سنقف بين يدي الله في يوم تدنو فيه الشمس وليس باختيارك ولا تستطيع أن تشرب شيئًا ولا أن تأكل شيئًا وأنت الآن تصوم وباختيارك وستأتي وتفطر فيذكرك مثل هذا الانقطاع عن الطعام والشراب بمثل هذا الموقف الذي سيكون عند العبد في الآخرة، القيام بين يدي الله كذلك ولهذا قال بعض السلف طول القيام في الدنيا يخفف من طول القيام بين يدي الله في الآخرة، هم يرتبطون بالآخرة بشكل غريب. النبي صلى الله عليه وسلم في بيته في حجرته مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها يومًا يضع رأسه في حجرها فتساقط دموع عائشة على وجنة النبي صلى الله عليه وسلم فيقول ما لك يا عائشة؟ فتقول يا رسول الله ذكرت من صرف القوم بين يدي الله يوم القيامة فهل تذكرون أهليكم في ذلك اليوم؟ فيقول عليه الصلاة والسلام والذي نفسي بيده في ثلاث مواطن إن أحدكم لا يذكر إلا نفسه ثم قال إذا تطايرت الصحف فآخذٌ كتابه باليمين وآخذٌ كتابه بالشمال وإذا نصب الميزان فلا يدري أحدكم أيّ الكفّتين ترجح على الأخرى وإذا ضرب الصراط فمجتاز إلى الجنة ومكردس على وجهه في النار. هذا ليس موطن موعظة هي جالسة مع زوجها في حجرتها وليس في مسجد وليس في مكان فيه ذكر القبور والدار الآخرة ومع ذلك تذكر هذا الأمر ويتفاعل معها النبي صلى الله عليه وسلم لتتربى عليه نفس عائشة وتتربى عليه الأمة من بعدها. فاستصعاب صورة الآخرة خاصة في مثل هذه الأيام من أبلغ ما ينبغي أن نحرص عليه ونعلمه حتى لأبنائنا وأهلينا.

د. عبد الرحمن: في القرآن الكريم في مواضع كثيرة حتى من أمور الدنيا مثل سورة المطففين (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)) يربط قضية الغش التجاري في الأسواق بيوم القيامة وتذكّر يوم القيامة.

د. أحمد: ولذلك ورد عن ابن عمر عندما قرأ هذه الآية قال قسمٌ حقٌ وربِّ الكعبة ثم خرّ مغشيًا عليه لأنه اسستشعر الموقف وتأثر به وهكذا كان السلف رحمهم الله.

د. عبد الرحمن: وهذا كله يؤخذ من قوله (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ (1)) حتى التعبير في قوله (فِي غَفْلَةٍ) كأن الغفلة استولت عليهم وحرف (في) يستخدم في العربية بمعنى الظرفية كأن الغفلة قد استولت على هؤلاء وأنستهم ذكر الآخرة.

د. أحمد: والتعبير القرآني بقول (اقْتَرَبَ) وقفت على كلام جميل لابن عاشور في (اقترب) وكذلك في سورة أخرى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (1) القمر) وكذلك (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ (97) الأنبياء) فلفظة (اقترب) هذه فيها إشارة إلى معنى لطيف وهو أن هذا الأمر أصبح قريبًا جدًا ووقوعه شديد ولهذا لم يقل قرب وإنما اقترب فزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى

د. عبد الرحمن: اقترب من حيث الزمن وإذا وقع فسيكون وقعه شديدًا أليمًا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير