تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

القصة التي تدل على القوة بالمال، كيف تعامل قارون مع هذه النعمة العظيمة التي أعطاه الله إياها؟ تعامل معها ببطر وأشر وادعى أنه إنما أوتيها على علم عنده وأبان الله سبحانه وتعالى لنا ما يحصل من ضعف نفوسنا حينما نرى أصحاب الأموال (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)) لهذا نقول لكل غني من أغنياء المسلمين أن يعتبر من هذه القصة وأن يجتهد أن ينظر في قصة قارون وأن لا يتشبه بشيء مما فعله وإنما يخالف كل هذه الأشياء التي ذكرها قارون، تدعي الفضل وتنسبه لله سبحانه وتعالى فهو سبحانه وتعالى الذي أنعم عليك وهو الذي أعطاك وابتدأك وهو الذي يقدر أن يسلبك هذا.

د. عبد الرحمن: سبحان الله بالأمس في سورة النمل الله سبحانه وتعالى آتى سليمان عليه السلام ملكا عظيما وسخر له الطير والريح والجن وبالرغم من كل هذا الملك العظيم كان غاية في التواضع (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) النمل) مباشرة يتذكر فضل الله عليه في أشد حالات الزهو والقوة، يسمع صوت النملة وهي تقول (قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)) فيقول (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ (19)) ونأتي لهذا المغفل الأحمق قارون ما الذي عند قارون مقارنة بما أعطاه الله لسليمان؟! لا شيء، أو ذي القرنين؟ نأتي إلى قارون أعطاه المال ولكن غرته نفسه فقال (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي (78)) قال الله تعالى فيه (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا (78)). لقت نظري في ختام سورة القصص في قوله سبحانه وتعالى (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)) وفي أولها عندما قال (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)) نلاحظ هذه المنهجية في عمل فرعون وفي عمل الطغاة بصفة عامة وهو "فرّق تسد" تريد أن تسيطر على الشعب فرّق وازرع الطبقية في المجتمع وهذه للأسف موجودة في المجتمعات الإسلامية الآن تجد طبقات تعاني من فحش الثراء وطبقات كثيرة جدًا تعاني من الحاجة والعوز وهذا قطعًا سيؤدي إلى التنازع وإلى الصدام فيما بينها ويبقى هذا المتسلط يراقب الموقف. انظر إلى هذه اللفتة (وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا) يعني جعل أهلها طوائف متفرقة، ما تعلقيك؟

د. مساعد: في قوله (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) كأنها خاتمة لقصة فرعون من جهة وقصة قارون من جهة أخرى وإن كانت قصة قارون أقرب لها، والله سبحانه وتعالى لما قال (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ) لم يقل الدنيا لأن الدنيا ليست الدار الحقيقية فكأنه قال في يوم القيامة هذه الدار لا تكون لهؤلاء الذين يريدون العلو وإنما تكون للذين لا يريدون العلو والبغي في الأرض. ولهذا نقول للحاكم المسلم الذي قدر الله له أن يكون وليًا للمسلمين في أي مكان وزمان لتكن هذه الآية نصب عينيك دائمًا (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) وهذه نبراس وهذه التي ختم بها عمر بن عبد العزيز حياته رضي الله عنه فقيل وهو ينازع الروح كان يتلو هذه الآية وهذه بشارة له رضي الله عنه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير