و لكن يمكن القول بأن إهداء عمر رضي الله عنه الثوب لأخيه لا دليل فيه لأنه ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بفعل عمر و أقره على ذلك و لا حجة فيما دون النبي صلى اللله عليه و سلم.
و لكن دليل الجواز يؤخذ كما أسلفت من قوله تعالى و أحل الله البيع.
و لا يقين ناقل عن هذا فنستصحاب البراءة الأصلية.
و قد أطلق النبي صلى الله عليه و سلم الجواز في قوله لم أكسكها لتلبسها لكن لتبيعها فلم يستثني كافرا أو فاسقا و قد جاء عليه السلام ليبين قال تعالى لتبين للناس ما أنزل إليهم.
و قد كان الصحابة على عهده يتاجرون مع الكفار من اليهود و المشركين و النصارى لا شك في ذلك و قد قال الحافظ في الفتح:
وَقَدْ أَخْرَجَ الزُّبَيْر بْن بَكَّارٍ فِي " الْمُوَفّقِيّات " مِنْ حَدِيث أُمّ سَلَمَة قَالَتْ " خَرَجَ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ تَاجِرًا إِلَى بِصَرَى فِي عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا مَنَعَ أَبَا بَكْر حُبّه لِمُلَازَمَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا مَنَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُبّه لِقُرْبِ أَبِي بَكْر عَنْ ذَلِكَ لِمَحَبَّتِهِمْ فِي التِّجَارَة " هَذَا أَوْ مَعْنَاهُ.
و لم ينههم النبي صلى الله عليه و سلم رغم أن ما يباع إليهم سيستعمل في معصية الله.
بل إن البخاري رحمه الله بوب لحديث عطارد ب: بَاب التِّجَارَةِ فِيمَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
قال الحافظ في الفتح:
بَاب التِّجَارَةِ فِيمَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
قَوْله: (بَابٌ التِّجَارَةُ فِيمَا يُكْرَه لُبْسُهُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاء)
أَيْ إِذَا كَانَ مِمَّا يُنْتَفَع بِهِ غَيْر مَنْ كُرِهَ لَهُ لُبْسُهُ، أَمَّا مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ شَرْعِيَّة فَلَا يَجُوز بَيْعُهُ أَصْلًا عَلَى الرَّاجِح مِنْ أَقْوَال الْعُلَمَاء، وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ: أَحَدهمَا حَدِيث اِبْن عُمَر فِي قِصَّة عُمَر فِي حُلَّةِ عُطَارِدَ وَفِيهِ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّمَا بَعَثْت بِهَا إِلَيْك لِتَسْتَمْتِعَ بِهَا، يَعْنِي تَبِيعهَا " وَسَيَأْتِي فِي اللِّبَاس مِنْ وَجْه آخَر بِلَفْظِ " إِنَّمَا بَعَثْت بِهَا إِلَيْك لِتَبِيعَهَا أَوْ لِتَكْسُوهَا " وَهُوَ وَاضِحٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ هُنَا مِنْ جَوَاز بَيْع مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ لِلرِّجَالِ، وَالتِّجَارَة وَإِنْ كَانَتْ أَخَصَّ مِنْ الْبَيْع لَكِنَّهَا جُزْؤُهُ الْمُسْتَلْزِمَةُ لَهُ، وَأَمَّا مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ لِلنِّسَاءِ فَبِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ، أَوْ الْمُرَاد بِالْكَرَاهَةِ فِي التَّرْجَمَة مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ التَّحْرِيم وَالتَّنْزِيه فَيَدْخُل فِيهِ الرِّجَال وَالنِّسَاء، فَعُرِفَ بِهَذَا جَوَاب مَا اِعْتَرَضَ بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ أَنَّ حَدِيث اِبْن عُمَر لَا يُطَابِقُ التَّرْجَمَة حَيْثُ ذُكِرَ فِيهَا النِّسَاء. الثَّانِي حَدِيث عَائِشَة فِي قِصَّة النُّمْرُقَة الْمُصَوَّرَة، وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ وَعَلَى الَّذِي قَبْله مُسْتَوْفٍ فِي كِتَاب اللِّبَاس إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى " وَوَجْه الدَّلَالَة مِنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْسَخْ الْبَيْع فِي النُّمْرُقَة، وَسَيَأْتِي أَنَّ فِي بَعْض طُرُق الْحَدِيث الْمَذْكُور أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَكَّأَ عَلَيْهَا بَعْد ذَلِكَ، وَالثَّوْب الَّذِي فِيهِ الصُّورَة يَشْتَرِك فِي الْمَنْع مِنْهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَهُوَ مُطَابِقٌ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، بِخِلَافِ مَا اِعْتَرَضَ بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ. وَقَالَ اِبْن الْمُنَيِّر: فِي التَّرْجَمَة إِشْعَار بِحَمْلِ قَوْله " إِنَّمَا يَلْبَس هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ " عَلَى الْعُمُومِ حَتَّى يَشْتَرِك فِي ذَلِكَ الرِّجَال وَالنِّسَاء، لَكِنَّ الْحَقّ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالرِّجَالِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَشْتَرِك فِيهِ الرِّجَال وَالنِّسَاء الْمَنْع مِنْ النُّمْرُقَة، وَحَاصِله أَنَّ حَدِيث اِبْن عُمَر يَدُلّ عَلَى بَعْض التَّرْجَمَة، وَحَدِيث عَائِشَة يَدُلّ عَلَى جَمِيعهَا.
فالحاصل أن حديث حلة عطارد دليل قوي في جواز بيع ما يظن أنه سيستعمل في الحرام.
و ذلك لأن الكافر ليس عنده وازع يمنعه من استعمال الحرام كالفاسق من المسلمين بل أكثر.
و الحق أنهم مخاطبون بفروع الشريعة معاقبون عليها غير مثابين لعدم توفر شرط من شروط القبول ألا و هو الإيمان بالله. و لا يجوز إعانتهم في الحرام كما لا يجوز إعانة المسلمين.
وما قاله الأخ البلجيكي هداه الله إلى الهجرة من بلجيكا إلى بلاد الإسلام إن كان مستطيعا ووفقه الله و يسر له ذلك إن لم يكن مستطيعا. و إن كان في بلاد الإسلام فالحمد لله على ذلك.
قلت ما قاله في مسألة بيع الذهب صحيح و أضيف أن على ما أصله الأخ عبد الرحمن فبيع القماش اليوم لا يجوز لأن أغلب النساء متبرجات و سيخيطون قماشهم ألبسة غير شرعية.
و حتى لباس المرأة الذي يفترض أن تلبسه داخل البيت أصبحت تخرج به إلى الشارع.
و يحرم بيع الهواتف المحمولة و أجهزة الكاسيت و شفرات الحلاقة و السراويل و الأقمصة
لأن صاحبها سيسبلها.
و غير ذلك مما ينجر على هذا الأصل.
هذا في عجالة و الله أعلم.
¥