تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثالثة: أن يختار في سؤاله العلماء الذين هم مظنة الخير والصلاح، أهل العقيدة الصحيحة، والنهج القويم، ولذلك قال المؤلف – رحمه الله تعالى – ويقتدي بالمتبعين لسنة محمد صلى الله عليه وسلم بعد قوله: "ويسأل العلماء".

الرابعة: أن يسأل ثلاثة أو أربعة، وإذا كانوا من المقلدين للمذاهب، فأرى أن ينوعهم حتى يسمع أدلة كل فريق.

الخامسة: أن يعمل بما اتضح له رجحانه من أدلة الذين استفتاهم، دون تعصب لمذهب أحد كائنا من كان.

التوضيح الثالث: يجب على العالم أن يوضح للسائل أدلة المسألة من كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإن كانت الفتوى من اجتهاده؛ فيجب عليه إيضاح ذلك للسائل، وهذا لا ينقص من علمه، ولا من مكانته، بل إنه مما يرفعه ويعليه؛ لأنه اتباع لشرع الله، وامتثال لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإنما أتيت بهذه القيود والتوضيحات لأن كثيرا من العوام يسألون كل من هب ودب، وادعى العلم، فيضلون بسبب ذلك، بل إن من العلماء من هو ضال مضل، فيجب علينا أن لا نتبعه في تحليل الحرام، وتحريم الحلال؛ لأن ذلك ليس ضلالا وجهلا فحسب، وإنما هو شرك بالله تعالى، وعبادة لأولئك العلماء.

فعن عدي بن حاتم () رضي الله تعالى عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب؛ فقال يا عدي اطرح عنك هذا الوثن، وسمعته يقرأ في سورة براءة "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله" قال: (أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه) ()

قال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى عند كلامه على هذا الحديث: (المسألة الخامسة من مسائل هذا الحديث: تغير الأحوال إلى هذه الحالة حتى صار عند الأكثر عبادة الرهبان هي أفضل الأعمال وتسمى الولاية، وعبادة الأحبار هي العلم والفقه، ثم تغير الحال إلى أن عبد من دون الله من ليس من الصالحين، وعبد بالمعنى الثاني من هو من الجاهلين). ()

قلت: وهو كما قال رحمه الله تعالى فإن الناظر في أحوال المسلمين اليوم يرى العجب العجاب؛ فقد رمى المسلمون في كثير من بلاد الإسلام الشريعة خلف ظهورهم، وانقسموا إلى شيع وطوائف، يمكن جمعها من حيث الجملة في أربع طوائف:

الأولى: طائفة مبتدعة تعبد العلماء؛ فيحللون لها ويحرمون عليها، ويتبع أصحابها العلماء فيما يحللون ويحرمون دون مستند شرعي، فلا يسألونهم عن الدليل الصحيح الذي أحلوا به هذا، أو حرموا به ذاك، وإن سألوهم في القليل النادر أجابوهم بقال خليل أو قال ابن قدامة رحم الله الجميع، ولا شك أن هذا لا يعتبر دليلا شرعيا، فمهما بلغ العالم من العلم فإن قوله لا يحرم شيئا ولا يحلله، وغاية ما يؤخذ من كلامه هو فهمه للأدلة الشرعية، وقد يكون فهما صحيحا وقد يكون خاطئا ..

وهنا شبهة تتكرر على ألسنة صغار طلبة العلم، وكثير من العوام، وهي قول بعضهم: إذا كان فلان من العلماء قد أخطأ في فهم هذا الدليل فكيف ستصيب أنت فيه، والفرق ما بينكما في العلم كما بين الثرى والثريا؟

هكذا يكررون، ويرددون في كل مرة يبين فيها خطأ عالم ما، ولا شك أن هذا من الباطل الظاهر، ومن الجهل بالله عز وجل وبنعمه على عباده، ثم إن فيه من الجهل بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره). ()

ومع ذلك فلا شك أن احتمال إصابة العلماء الكبار في فهمهم للأدلة الشرعية هو احتمال كبير، لقدمهم في العلم وما خصهم الله به من الحفظ، والفهم، والورع، والتقوى، ولكنهم مع ذلك قد يخطئون، ويصيب غيرهم ممن هو دونهم في العلم بمسافات بعيدة، وقد كان صغار الصحابة رضوان الله عليه يفهمون ما لا يفهم كثير من كبارهم مع تقدمهم عليهم في الفضل والعلم وغير ذلك، والأمثلة على ذلك كثيرة فلا أطيل بسردها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير