إِحْدَى عِبَادَاتِهَا، تُرَوَّضُ عَلَيْهَا النُّفُوسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، وَتُرَوَّضُ بِهَا النُّفُوسُ الْجَامِحَةُ، وَلَكِنَّ الصَّوْمَ فِي الإِسْلَامِ يَزِيدُ عَلَيْهَا جَمِيعًا فِي صُوَرِهِ وَمُدَّتِهِ، وَفِي تَأْثِيرِهِ وَشِدَّتِهِ، فَمُدَّتُهُ شَهْرٌ قَمَرِيٌ مُتَتَابِعُ الأَيَامِ، وَصُورَتُهُ الْكَامِلَةُ فَطْمٌ عَنْ شَهَوَاتِ الْبَطْنِ وَالفَّرْجِ وَالْلِّسَانِ وَالأُذُنِ، وَكُلُّ مَا نَقَصَ مِنْ أَجْزَاءِ ذَلِكَ الْفِطَامِ فَهُوَ نَقْصٌ فِي حَقِيقَةِ الصَّوْمِ، كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ الآثَارُ الصَّحِيحَةُ عَنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ، وَكَمَا تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ الْجَامِعَةُ مِنْ مَعْنَى الصَّوْمِ، فَلَا يَتَوَهَمَّنَ الْمُسْلِمُ أَنَّ الصَّوْمَ هُوَ مَا عَلَيْهِ العَامَةُ الْيَومَ مِنْ اِمْسَاكٍ تَقْلِيدِيٍّ عَنْ بَعْضِ الشَّهَوَاتِ فِي النَّهَارِ، يَعْقُبُهُ اِنْهِمَاكٌ فِي جَمِيعِ الشَّهَوَاتِ بِاللَّيْلِ، فَإِنَّ الْذِّي تُشَاهِدُهُ مِنْ آثَارِ هَذَا الصَّوْمُ الْعُرْفِيُّ إِجَاعَةُ الْبَطْنِ، وَإِظْمَاءُ الْكَبِدِ، وَفُتُورُ الأَعْضَاءِ، وَانْقِبَاضُ الأَسَارِيرِ، وَبَذَاءَةُ اللِّسَانِ، وَسُرْعَةُ الإِنْفِعَالِ، وَاتِّخَاذُ الصَّوْمِ شَفِيعًا فِيمَا لَا يُحِبُّ اللهُ مِنَ الْجَّهْرِ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ، وَعُذْرًا فِيمَا تَبْدُرُ بِهِ الْبَوَادِرُ مِنَ اللِّجَاجِ وَالْخِصَامِ وَالأَيْمَانِ الفَاجِرَةِ، كَلَّا .. إِنَّ الصَّوْمَ لَا يَكْمُلُ وَلَا تَتِمُّ حَقِيقَتُهُ وَلَا تَظْهَرُ حِكْمَتُهُ وَلَا آثَارُهُ إِلَّا بِالفِطَامِ عَنْ جَمِيعِ الشَّهَوَاتِ الْمُوَزَّعَةِ عَلَى الْجَوَارِحِ.
وَلِلْأُذٌنِ شَهَوَاتٌ فِي الاسْتِمَاعِ، وَلِلْعَيْنِ شَهَوَاتٌ فِي امْتِدَادِ النَّظَرِ وَتَسْرِيحِهِ، وَلِلِّسَانِ شَهَوَاتٌ فِي الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَلَذَّاتٌ فِي الْكَذِبِ وَاللَّغْوِ وَالتَّزْوِيقِ، وَإِنَّ شَهَوَاتِ اللِّسَانِ لَتَرْبُو عَلَى شَهَوَاتِ الْجَوَارِحِ كُلِّهَا، وَإِنَّ لَهُ لَضَرَاوَةً بِتِلْكَ الشَّهَوَاتِ لَا يَسْتَطِيعُ حَبْسَهُ عَنْهَا إلَّا الْمُوَفَّقُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْعَزَائِمِ الْقَوِيَّةِ، وَإِنَّ تِلْكَ الضَّرَاوَةُ هِيَ التِي هَوَّنَتْ خَطْبَهُ حَتَّى عَلَى الْخَوَاصِّ، فَلَمْ يَعْتَبِرُوا صَوْمَ اللِّسَانِ مِنْ شُرُوطِ الصَّوْمِ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ذَلِكَ التَّهْوِينُ تَقْصِيرُ الْفُقَهَاءِ فِي تَعْرِيفِ الصَّوْمِ، وَقَصْرَهُمْ إيَّاهُ عَلَى الْإِمْسَاكِ عَنِ الشَّهْوَتَيْنِ، وَافْتِتَانِهِم بِالتَّفْرِيعَاتِ الْمَفْرُوضَةِ وَغَفْلَتِهِمْ عَمَّا جَاءَ فِي السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ مِنْ بَيَانٍ لِحَقِيقَةِ الصَّوْمِ وَصِفَاتِ الصَّائِمِ .. ).
للنحاة قاعدة تقول: كل اسم حُلي بأل بعد اسم الإشارة؛ فهو إما عطف بيان أو بدل.
ـ[باحثة]ــــــــ[29 - 09 - 06, 01:01 م]ـ
جزاكم الله خيرا
[فَإِنَّ الْذِّي تُشَاهِدُهُ مِنْ آثَارِ هَذَا الصَّوْمِ الْعُرْفِيِّ]
[وَإِنَّ تِلْكَ الضَّرَاوَةَ]
[عَلَى ذَلِكَ التَّهْوِينِ]
[وَقَصْرُهُمْ إيَّاهُ عَلَى الْإِمْسَاكِ عَنِ الشَّهْوَتَيْنِ]
من القائل بوركتم؟ وما عنوان الكتاب الذي تنقلون منه؟
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[29 - 09 - 06, 02:45 م]ـ
القائل العلامة محمد البشير الإبراهيمي - رحمه الله - في مقال له نشر بجريدة " البصائر " وهو ضمن آثاره المجلد الثالث صـ 475 - 478.
ـ[أبو هداية]ــــــــ[30 - 09 - 06, 03:26 ص]ـ
أستميحك عذراً أخي الفهم الصحيح في بيان بعض الأخطاء:
الإعتدال = الاعتدال، لأنه مصدر الخماسي.
العامَة = العامَّة، وأعتقد أنه خطأ مطبعي غير مقصود.
امساك = إمساك، لأنه مصدر الرباعي.
الإنفعال = الانفعال، لأنه مصدر الخماسي.
وللأذٌن = وللأذُن، وأعتقد أنه خطأ مطبعي.
بارك الله بك أختي باحثة.
ـ[باحثة]ــــــــ[01 - 10 - 06, 12:00 ص]ـ
جزاكم الله خيرا ونفع الله بكم
وهي أخطاء طباعية كما ذكرتم، وسأحاول بإذن الله أن أتلافاها في المرة القادمة.
وهذه أيضا لم أنتبه لها، وقد نبه عليها الأستاذ الفاضل الفهم الصحيح جزاه الله خيرا.
¥