تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الشعراء ويقيم بينهم المفاضلة، فأتاه رجل من ذرية هرم بن سنان، فسأله وقال: ما نحل جدك هرم زهير بن أبي سلمى؟ فقال: أعطاه أثواباً خلقت وأموالاً نفدت، قال: لكن ما كسا زهير أباك لا ينفد، فأنشده بعض مدحه فيه بقوله: يطلب شأو امرأين قدما حسناً نالا الملوك وبذا هذه السوقا هو الجواد فإن يلحق بشأوهما على تكاليفه فمثله لحقا أو يسبقاه على ما كان من مهلٍ فمثل ما قدما من صالح سبقا إلى أن يقول فيها: بل اذكرن خير قيسٍ كلها حسباً وخيرها نائلاً وخيرها خلقا القائد الخيل منكوباً دوابرها قد أحكمت حكمات القد والأبقا غزت سماناً فآبت ضُمّراً خُدُجاً من بعد ما جنبوها بُدَّناً عُققا فطرب عمر لهذه الأبيات، وأخبر أن ما كساه زهير ٌ هذا الرجل لا يخلق ولا يبلى. وكذلك سأل عمر أحد الشعراء عن أشعر الناس، فجرى على عادة العرب أن يفضلوا من كان بينه وبينهم قرابةٌ ليفخروا بشعره، فقال: لا، بل أشعر العرب صاحب من ومن، يقصد به زهير بن أبي سلمى في حكمه التي قالها في آخر معلقته الميمية. ومن لم يعرف مفردات هذه اللغة فكثيراً ما يلتبس عليه الكلام ولا يفهمه، وبالأخص في زماننا هذا الذي تداخلت فيه اللغات والحضارات. ولا أزال أعجب من بعض المثقفين الذين يحاولون ترجمة القرآن إلى لغات أخرى، وهم لا يتقنون مفردات اللغة العربية فيقعون في أخطاء عجيبة! ترجم أحدهم القرآن بالفرنسية، وهو من المتبجحين بالمهارة في اللغات، لكنه في قول الله تعالى: وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ [الزمر:75]، فسر (حافَّين) بحافِينَ! وأن معناها: بلا نعال! وكذلك حاول آخر ترجمة القرآن إلى الإنجليزية، فترجم قول الله تعالى: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ [الإسراء:29] قال ما معناه: لا تجعل يدك مربوطةً إلى عنقك، ولا تبسطها بسطاً شديداً حتى تنخلع! فلم يفهم هذه المفردات، ومن هنا وقع في هذا الغلط البالغ، ونظيرُ هذا كثير جداً. فكثيراً ما يقع الإنسان في إشكال وهو يتدبرُ آيةً من القرآن، أو يتفهم حديثاً، فيخطئ في فهمه خطأً بالغاً، ولهذا فإن الأولين لم يكن لديهم النقاط التي تميز الحروف، وإنما كانوا يميزونها بفطرتهم وذوقهم، فإذا قرأ الإنسان قرأ على السليقة فلم يخطئ، ولذلك يقال: إن الشافعي رحمه الله عندما أراد أن يحفظ القرآن وقد سمعه مرة واحدة، فأراد أن يراجعه فأخطأ في كلماتٍ في نقاط الحروف فقط، فقرأ قول الله تعالى: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:37] قرأها: يعنيه. وهذا مناسب للذوق، وهو نفس المعنى، لكنه غير موافق للرواية، فكان ذلك خطأً. ونحن اليوم قد فسدت أذواقنا اللغوية، فلم يعد أحد منا يستطيع أن يتكل على أشكال الحر

العلم الثالث: علم التصريف: وتعرف به أوجه الاشتقاق في الكلمات، وهو علمٌ لا غنى عنه في تفسير القرآن والسنة، ولا يمكن أن يكون الإنسان صاحب تدبر وتفهم إلا إذا كان متقناً لهذا العلم، ومن هنا فكثير من خلافات الفقهاء في الاستنباط أصلها الخلاف في مسائل صرفية، فمثلاً: قال ابن الأنباري رحمه الله: إن الخلاف بين المالكية والشافعية وغيرهم في العدة هل هي بالحيض أو بالأطهار، خلاف أصله راجع إلى التصريف، وذلك أن الله تعالى يقول في كتابه: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، فقال: القرء الذي يجمع على قروءٍ هو الطهر، والقرء الذي يجمع على أقراءٍ هو الحيض، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث فاطمة بنت أبي حبيش: (دعي الصلاة في أيام أقرائك)، فقال: الأقراء هي الحيضُ، والقروء هي الأطهار. واستدل على ذلك بقول الأعشى: أفي كل عام أنت جاشم غزوة تشد لأقصاها عزيم عزائكا مورثة مالاً وفي الحي رفعةً لما ضاع فيها من قروء نسائكا والذي يضيع هو الأطهار لا الحيض. واستدل كذلك بقول الراجز: يا رب مولى حاسد مباغض علي ذي ضغن وضب فارض له قروء كقروء الحائض فالقروء هنا للحيض لا للأطهار. ونظير هذا كثير جداً في الكلمات القرآنية أو كلمات السنة التي يكون الاختلاف في فهم دلالتها سبباً للاختلاف في مسائل فقهية، ويكون ذلك راجعاً إلى أحد علوم اللغة المذكورة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير