تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الخطاب رضي الله عنه كان في مجلسه فأتته امرأة من أهل اليمن تستعديه على زوجها، فقالت: يا أمير المؤمنين! إن بعلي عبد حقي، وترك الوصيد رهواً، ولي عليه مهيمنٌ، فهل لي عليه من مسيطر؟ فقال: لم أفهم ما تقولين. فقال ابن عباس: كلمات كلهن في كتاب الله، إن بعلي، أي: زوجي قال تعالى: وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا [هود:72]، عبد حقي، أي: تركه وضيعه، قال تعالى: إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ [الزخرف:81] أي: التاركين لعبادة ذلك الولد، وترك الوصيد رهواً، الوصيد: الباب، وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ [الكهف:18]، رهواً، أي: مفتوحاً، قال تعالى: وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُغْرَقُونَ [الدخان:24]، ولي عليه مهيمنٌ، أي: شاهدٌ قال تعالى: وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ [المائدة:48]، فهل لي عليه من مسيطر؟ أي: حاكم، قال تعالى: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:22]. فاستشهد ابن عباس على أن الكلمات التي أطلقتها هذه المرأة كلها في القرآن، ففهم عمر دلالاتها وأعداها على زوجها. ونظيرُ هذا ما حصل لابن عباس رضي الله عنهما مع نافع بن الأزرق أمير الأزارقة من الخوارج، فإنه أتاه من العراق يسأله عن تفسير كلمات من مفردات اللغة العربية في القرآن، فأطال عليه وأكثر، واشتهرت هذه المسائل فيما بعد بمسائل ابن الأزرق، وهي تزيد على مائتي مسألة من المفردات القرآنية، منها مثلاً قوله: (عطاء غير ممنون) قال: ما معنى غير ممنون؟ قال: غير مقطوع، أما سمعت قول الحارث بن حلزة اليشكري: فترى خلفها من الرجع والـ ـوقع منيناً كأنه إهباءُ وسأله عن عدة كلمات من هذا القبيل، وهو يذكر له شواهدها في اللغة، فبينما هو كذلك إذ ضجر به، فجاء عمر بن أبي ربيعة المخزومي، فسأله ابن عباس عن آخر ما قال من الشعر فأنشده قصيدته التي مطلعها: أمن آل نعم أنت غادٍ فمُبكرُ غداة غدٍ أم رائحٌ فمهجّرُ بحاجة نفسٍ لم تقل في جوابها فتبلغ عذراً والمقالة تُعذرُ حتى أتى على آخر القصيدة وهي ثمانون بيتاً، فحفظها ابن عباس بهذه المرة الواحدة، فقال نافع: لله أنت يا ابن عباس! نضرب إليك أكباد الإبل في طلب العلم فتعرض عنا! ويأتيك شابٌ حدثٌ من قريش ينشدك سفهاً فتسمعه! فقال: ما سمعت سفهاً، فقال: بلى، أما سمعت قوله: رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت فيضحى وأما بالعشي فيخسرُ فقال: ما هكذا قال، وإنما قال: رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت فيضحى وأما بالعشي فيخصَرُ ثم سأله عن قول الله تعالى: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى [طه:118 - 119] فقال: ما معنى قوله: وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى [طه:119] قال: تضحى: تبرز للشمس. قال: هل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟ قال: أما سمعت قول المخزومي بالأمس: رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت فيضحى وأما بالعشي فيخصَرُ ولذلك فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أوصى بديوان العرب وحفظه، وكان يتعهد أشعار العرب، ويستمع إليها، ولهذا فإن حسان بن ثابت كان ينشد بعض أشعاره في المسجد، فكان عمر إذا أنشد حسان شيئاً من شعره في هجاء المشركين أو في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه أذن له، فإذا ذكر شيئاً من أشعاره في الخمر وأمور الجاهلية خرج عمر، فمر به مرة وهو ينشد شعراً من أشعاره في أولاد جفنة من قصيدته اللامية التي يقول فيها: أبناء جفنة حول قبر أبيهمُ قبر ابن مارية الكريم المفضل يغشون حتى ما تهر كلابهم لا يسألون عن السواد المقبلِ يسقون من ورد البريص عليهمُ بردى يصفق بالرحيق السلسلِ بيض الوجوه كريمةٌ أحسابهم شم الأنوف من الطراز الأولِ حتى أتى على آخر القصيدة، فغضب عمر من إنشادها، وكان جبلة بن الأيهم إذ ذاك قد تنصر وهرب إلى الروم، وأرسل بهديةٍ إلى حسان، فامتدحه حسان بأبياتٍ يقول فيها: إن ابن جفنة من بقية معشرٍ لم يغذهم آباؤهم باللومِ لم ينسني بالشام إذ هو ربها كلا ولا متنصراً بالرومِ يعطي الجزيل ولا يجده عنده إلا كبعض عطية المذمومِ وأتيته يوماً فقرب مجلسي وسقى فروّاني من الخرطومِ فغضب عمر حين امتدح هذا الكافر، فقال له حسان: مه يا ابن الخطاب! فقد كنت أنشده وفيه من هو أفضل منك، فما تعداها عمر. وكذلك فإن عمر كان يسأل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير