تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأصبح شعراء العربية وفقهاؤها وفلاسفتها وكتابها وأطباؤها ورياضيوها وطبيعيوها وكيميائيوها، وكأنَّهم كتبوا ما كتبوا وألَّفوا ما ألَّفوا بالأمس القريب، وتلك ميزة منّ الله بها علينا، ولم تحظَ بها أمة من الأمم، وليس ذلك كله إلا بفضل اجتماع المسلمين على قداسة اللغة التي نزل بها القرآن، والتزامهم أن لا يخرجوا على أساليبها وقواعدها، على أن ذلك لم يكن في يوم من الأيام داعية إلى تحجر اللغة، وجمود مذاهب الفن فيها، ووقوفها عند حد تعجز معه عن مسايرة الحياة، فليس التطوُّر نفسه هو المحظور، ولكن المحظور هو أن يخرج هذا التطور عن الحدود المقررة المرسومة، وذلك يشبه تقيُّد النَّاس في حياتِهم الاجتماعيَّة بقوانين الدين والأخلاق، فليس يعني ذلك أنَّهم قدِ استعبدوا لهذه القوانين، وأنها قد أصبحت تحول بينهم وبين مسايرة الحياة، ولكنَّه يَعْنِي أنَّهم يَسْتَطِيعون أن يغدوا وأن يروحوا كيف شاؤوا، وأن يستمتعوا بخيرات الدنيا وطيِّباتها، ويتصرفوا في مسالكها ويمشوا في مناكبها، كل ذلك في حدود ما أحل الله، وكل ذلك مع الالتزام بالوقوف عند حدود الله.

كذلك اللغة، وضع اللغويون والنحاة لها حدودًا طابقوا بها مذهب القرآن وشعر العرب، وتركوا للناس من بعد أن يستحدثوا ما شاؤوا من أساليب، وأن يتصرَّفوا فيما أرادوا من أغراض، وأن يجددوا ما أحبوا مما يشتهون، ولكن كل ذلك ينبغي ألا يخرج بهم عن الحدود المرسومة، فماذا في ذلك غير ضمان الاستقرار، والحرص على جمع الشمْل؟ ولماذا نحنّ إلى مثل ما ابْتُلِيَ به غيرُنا مِمَّن لم يكرمهم الله بمثل ما أكرمنا، ولماذا نشتهي أن تتبَلْبَلَ ألسِنَتُنا حتى لا يفهم بعضنا عن بعض، كما تبلبلت ألسنة الذين كانوا مجتمعين على اللاتينية فتفرقوا فيها؟ وأي ربح قد جنوه من بعد؟ وأي مزايا حقَّقوها مِمَّا لم تكن تحققه لهم وحدتهم اللغوية؟ وهل وقع بعضهم في بعض، وولغ بعضهم في دماء بعض، إلا من آثار هذه الفرقة اللغوية، التي جعلت منهم أممًا بعد أن كانوا أمة واحدة، والَّتي ترتَّب عليها أن فقدوا وحدتهم المسيحية، ثم لم يستطيعوا أن يعودوا إليها بحال؟

[1] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2111#_ftnref1) ديوان حافظ إبراهيم 1: 253.

[2] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2111#_ftnref2) راجع الفقرة 3 من الفصل الثاني في هذا الكتاب.

[3] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2111#_ftnref3) راجع مقالاً للمنفلوطي في مهاجمة الريحاني وفرقته أثناء الحرب العالمية الأولى في "النظرات" 3 – 37 تحت عنوان "الملاعب الهزلية".

[4] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2111#_ftnref4) وكان أوَّل ما ظهر في هذا الميدان رواية "زينب" لهيكل، التي كتب حوارها باللهجة السوقية.

[5] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2111#_ftnref5) راجع مجلة مجمع اللغة العربية: الجزء الأول "شعبان 1353 – أكتوبر 1934" ص 350 إلى 369، الجزء الثالث " شعبان 1355 – أكتوبر 1936" ص 349 – 371، والجزء الرابع "شعبان 1356 – أكتوبر 1937" ص 294 – 315، وراجع كذلك مقالاً لعضو آخر من أعضاء المجمع – وهو عبدالقادر المغربي – تحت عنوان "دراسة في اللهجة المصرية" في الجزء الثالث ص 290 – 301.

[6] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2111#_ftnref6) الهلال عدد 15 مارس 1902 – 5 ذي الحجة 1319 س 10، ص 373 – 377 تحت عنوان "اللغة الفصحى واللغة العامية" لإسكندر المعلوف، وقد أشار ابنه عيسى إسكندر المعلوف في مقاله الذي نشره في الجزء الرابع من مجلة المجمع "ص 315" إلى أنه قد ألف معجمًا مطولاً جمع فيه ألفاظ العامية، ولعله هو المعجم الذي صرح أبوه في مقال الهلال السابق بأنه مشغول بجمعه.

[7] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2111#_ftnref7) هذا غير صحيح، يكذبه الواقع الصريح، والدليل على مباينته للحقيقة أن العرب إذا اجتمعوا في مؤتمر لم يكد يفهم بعضهم عن بعض إلا إذا تكلموا العربية الفصيحة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير