تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقصد طارق بن زياد إلى جبال كنتبرية، وأخضع جماعات البسقاوية غربي نهر الأبرو، ودخل كثير من سكان تلك الجهات في الإسلام على يد طارق بن زياد، وصاروا يكوّنون نواة كثير من الأسر الأندلسية الإسلامية التي قدّر لها أن تمثّل دورا هاما في تاريخ البلاد فيما بعد. وفي الوقت نفسه سار موسى بن نصير على الضفّة الشرقية لنهر إبرو في إقليم قشتالة، ورحّب به زعماء البلاد كذلك، ودخلوا في طاعة المسلمين، غير أن نفرا من فلول القوط آثروا الفرار أمام الزحف الإسلامي إلى المناطق الجبلية الساحلية الشمالية، واعتصموا بمكان اسمه الصخرة، فطارد موسى تلك الفلول حتى بلغ خيخوت، وجعل منها حصنا يحمي ما تم على يديه من فتوح في تلك الجهات القاصية، وصارت تلك الجهات أقصى ما وصل إليه المسلمون في منطقة اشتريس، حيث بدأ موسى بن نصير يعد العدة للعودة من تلك البلاد النائية.

وتمّ في ذلك الوقت أيضا إخضاع المنطقة الساحلية بين مالقة وبلنسية، وإخماد الفتن التي حاول القوط القيام بها، وقام بهذه المهمة عبد العزيز بن موسى بن نصير الذي اشترك مع والده في إكمال الفتوح الإسلامية في أسبانيا، وسار هذا القائد على نهج والده في معاملة أهالي البلاد المفتوحة بالرفق والتسامح والعدل في فرض الضرائب، ومن ذلك ما حدث حين زحف عبد العزيز بن موسى على مالقة ثم غرناطة ثم أريوله، وهي كلها سلمت دون قتال.

ارتياح أهالي الأندلس للحكم الإسلامي:

وقد شعر أهالي الأندلس مع امتداد الفتح الإسلامي طلائع المساواة، وخاصة في الضرائب، وهو أمر لم يألفوه منذ زمن طويل، هذا إلى احترام حرية العقيدة وإزالة الاضطهاد الديني، وردّد كثير من الباحثين في التاريخ الأوربي المظاهر الجديدة التي سادت الشطر العربي من أوربا في بلاد أسبانيا عقب الفتح الإسلامي، وسجلت بهذا الدين الحنيف مظاهر الحياة الجديدة التي نفحها في تلك البلاد، وذكروا أن الفتح العربي كان من بعض الوجوه نعمة لأسبانيا، فقد أحدث فيها ثورة اجتماعية هامة، وقضى على كثير من الأدواء التي كانت تعانيها البلاد منذ قرون، وتحطمت سلطة الأشراف والطبقات الممتازة أو كادت تمحى، ووزّعت الأراضي توزيعا عادلا؛ فكان ذلك حسنة سابغة وعاملا في ازدهار الزراعة إبان الحكم الإسلامي، ثم كان الفتح عاملا في تحسين أحوال الطبقات المستعبدة؛ إذ كان الإسلام أكثر معاضدة لتحرير الرقيق من النصرانية كما فهمها أحبار المملكة القوطية، وكذلك تحسّنت أحوال أرقاء الضياع؛ إذ غدوا من الزرّاع وتمتعوا بشيء من الاستقلال والحرية.

وكان موسى بن نصير حريصا على أن يظلّ المسلمون العاملون تحت رايته - سواء من العرب أو البربر - مثلا أعلى أمام شعب أسبانيا؛ فلم يترفّع أولئك الفاتحون المسلمون على أبناء البلاد، وإنما امتزجوا معهم وصاهروهم وشاركوهم أيضا في مباهج البلاد ومسرّاتها؛ يطلبون العيش في سلام جنبا إلى جنب مع أهلها، وكان شعب أسبانيا من العنصر الأيبيري المسالم المحبّ لحسن العشرة، ومن ثم أنس إلى الفاتحين الجدد سواء من العرب أو البربر، وأقبل عليهم طواعية لا عن ضغط وإرهاب، ووجد فيهم محرّرين من بطش القوط وظلمهم الفاحش، ولم يحاول الفاتحون إدخال أبناء الشعب قسرا في الدين الإسلامي، وإنما حرصوا أوّلا على بيان فضائل هذا الدين حتى يتنبّه الناس ويدخلوا في رحابه إيمانا بأركانه وقواعده. ثم إن موسى بن نصير عمد إلى تنظيم الأحوال المالية للبلاد حتى يجنبها الاضطرابات ويهيء لها أسباب الاستقرار، وقد طبق على أسبانيا القواعد التي اتبعها المسلمون الفاتحون في شتى الجهات التي استولوا عليها، فالأراضي التي فتحت عنوة قسمت بين الفاتحين بعد أخذ الخمس لبيت المال،

أما الجهات التي فتحت صلحا فتركت بيد أصحابها مقابل دفع العشر من نتاجها، ولا شكّ أن هذا التنظيم المالي لم يكن عملا هيّنا بالنسبة لموسى بن نصير، وبخاصة في تلك الجهات من غرب أوربا التي لم تعرف منذ زمن بعيد لونا من ألوان الإدارة العادلة؛ فالمعروف أن القوط كانوا يستبيحون لأنفسهم ثروات البلاد ويعتبرون السكان أقنانا يعملون في الأرض، ولا همَّ لهم إلا إنتاج ما يحتاج إليه سادتهم من القوط، ولذا جاءت تنظيمات موسى بن نصير في أسبانيا وسيلة جيدة لخلق الامتزاج السليم بين الفاتحين وأهل البلاد الأصليين؛ فالأراضي المنبسطة في الجنوب -

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير