الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخات المرسلين.
وبعد:
فإن العيد المكاني هو أن تقصد مكاناً ما للاجتماع فيه والإتيان إليه من وقت لآخر للعبادة أو لغيرها.
فمن قصد قبراً في وقت مخصوص ومعلوم وجعل له موسماً ينتابه من وقت لآخر فقد اتخذه عيداً، وذلك أن القبوريين يقصدونها ويجتمعون عندها في مواسم معينة، ولاسيما الأيام الفاضلة، أو التي يزعمون فضلها، وهذا هو بعينه الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم بقوله: {لا تتخذوا قبري عيداً}. وهو داخل تحت قوله أيضاً: {لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} ([1])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وذلك أن بعض القبور يجتمع عندها في يوم من السنة ويسافر إليها، إما في المحرم، أو رجب أو شعبان أو ذي الحجة أو غيرها. وبعضها يجتمع عنده في يوم عاشوراء، وبعضها في يوم عرفة، وبعضها في النصف من شعبان، وبعضها في وقت آخر، بحيث يكون لها يوم من السنة، تقصد فيه ويجتمع عندها فيه، كما تقصد عرفة أو مزدلفة ومنى في أيام معلومة من السنة، وكما يقصد المصلي المصر يوم العيدين، بل ربما كان الاهتمام بهذه الاجتماعات في الدين والدنيا أهم وأشد ([2]).
قلت: وفي الغالب أن هذه الزيارة وتلك الاجتماعات المحددة والمعينة في السنة تكون يوم ولادة صاحب القبر أو وفاته، حيث يذهب في هذا التاريخ إلى مرقده فيجتمع عنده، وتقام المراسم الخاصة بذلك الاحتفال، وهو ما يعرف بالموالد والأعراس.
وذلك أن أرباب القبور يزعمون أن زيارة الولي أو الصالح والاحتفال به هو الدليل الأكبر والشاهد الملموس على أن هذا الولي (صاحب القبر) ما زال يعيش في قلوب الناس، يكرمونه ويدعونه، ويلتمسون لديه العون على حل مشاكلهم، وأن هذا العمل طاعة وقربة يثاب فاعلها، كما يحصل لهم في هذا الاحتفال اللهو والمجون والفسحة والتسلية، بحجة أنه يوم عيد لصاحب القبر.
وإليك مثالاً لتلك الموالد وطريقة إحيائها، وما يفعل فيها، وليكن هذا المثال الاحتفال بمولد البدوي ([3]) الذي يعد من أعظم الأولياء عند زواره والاحتفال به من
أكبر المواسم التي تشد إليها الرحال، ليتضح فيه جلياً كيف اتخذ قبره عيداً ووثناً، يعبد من دون الله، والعياذ بالله.
وذلك أن مراسم الاحتفال تكون في ساحة المسجد وحوله، ويقصده الناس من جميع الجهات، فتقدم فيه النذور والقربات، وتقام فيه الصلوات، وتعقد المجالس والحلقات، فتزدحم مدينة طنطا بالزائرين لهذه المناسبة، وتضرب الصواني والخيام حول هذا المشهد، ويشارك في هذا الاحتفال أصحاب الشعوذة والراقصات والعازفون، لعرض أعمالهم على الجماهير الحاضرة. وتقوم الدولة بتنظيم هذا الاحتفال، وحفظ الأمن والنظام، فيصدر تصريح بإقامته من وزارة الأوقاف من كل عام، ويستمر لمدة سبعة أيام.
وإليك وصفاً لهذا الاحتفال وما يقع فيه، كما يحكيه محمد فهمي عبد اللطيف، حيث قال: إذا ما صدر التصريح بإقامة المولد الأحمدي، وأعلن ذلك في كافة البلاد، توافد الناس من شتى الجهات في الموعد المحدد، فيقيمون الخيام ويضربون السرادقات في ساحة المولد، ويرضى أصحاب العوائد بدفع أي أجر يطلبه منهم المالكون للأرض لإقامة خيامهم عليها، وتقام الخيام والسرادقات الخاصة، بأهل الريف حول ساحة المولد والضواحي المجاورة لها، أما الخيام والسرادقات الخاصة بالحكومة وشيوخ الطرق وأرباب العوائد فإنها تقام في الساحة، وتسمى هذه البقعة بالسحابة، وبالقرب من الساحة تقام سارية خشبية عالية تسمى بالصاري، ويقدر متوسط ما يقام من الخيام عادة في هذا المولد بنحو خمسة آلاف خيمة.
وفي اليوم الأول للمولد يطوف مأمور البوليس بطنطا في موكب من الجنود معلناً افتتاح المولد، ويسمى هذا الموكب بركبة الحاكم.
ومن أول ليلة للمولد تقام حلقات الذكر حول الصاري، ويعتبر هذا الصاري جامعة المناكر والمفاسد، وللناس فيه عقائد عجيبة مريبة، فبينما يعتقد بعضهم أن زيارة هذه الخشبة تعادل زيارة السيد البدوي نفسه إذ يعتقد آخرون أن السيد يجلس فوقها أيام المولد ليشرف على زواره ويتعرف عليهم. ويجزم الكثيرون بأن النبي صلى الله عليه وسلم يزور هذه الخشبة فجر يوم الإثنين، قياماً بواجب السيد البدوي عليه.
¥