قالت مجلة الجنان في آخر هذا الردّ: ((انتهى رد الشيخ إبراهيم اليازجي. ولا ريب أن أكثر مطالعي الجنان يرغبون في الوقوف على هذه المباحثة الأدبية المبنية على أساسات الوداد و الصداقة،ولذلك قد عزمنا إن شاء الله على طبع ما ربما يُكتب في هذا الباب من الردّ و الأجوبة من الفريقين مما كان خالياً مما يتعلق بالشخصيات)).
رد الشدياق على اليازجي
الجوائب، العدد 538 (30/ 8/1871)، ص1 - 2:
الجنان، السنة 2، الجزء 21 (1/ 11/1871)، ص729 - 732
شبلي: الشدياق و اليازجي، ص 76 - 82.
لا يخفى أن الخوجا إبراهيم اليازجي كان قد كتب في صحيفة الجنان في الجزء الثاني عشر مقالةً خطَّأني بها فيما أوردته على لفظة ((الفحطل)) و ((المرابض))، ثم انتقل منها إلى تخطئة بعض الألفاظ وردت في مقدَّمة سر الليال وأطال لسانه بالتهكم و التنديد مكافأة لي على كوني رثيت أباه، وحيث كان وصول مقالته إليّ وأنا أطوف في البلاد لتبديل الهواء وكان اعتنائي بصحتي إذ ذاك أوجب عليَّ من معارضة السفهاء، لم يهمني الردّ عليه وتخطئته فيما خطَّأني به، ولا سيما أن تخطئته كانت ظاهرة من عين كلامه لأنه كله مبنيٌ على المغالطة و التمويه وهو صفةُ كثير من أمثاله الذين زبّبوا من قبل أن يحصرموا فإذا قالوا شيئاً فإنما يقصدون به إعجابَ جيرانهم ومعارفهم من الأغبياء المسفسفين لا إرضاء العلماء. إلا أني لما استقر بيّ المقام بالآستانة رأيت الجواب عن سفسطة المذكور أولى من السكوت، لكي يعلم الناس أني لم أزل مراعياً لحقوق العربية التي تقضي عليّ بأن أردع كلّ سفيهٍ عنها. فأقول إن قولهُ: ((ولا أدري ما ضرّه عدم التصريح باسمه وليس في القصيدة مدحٌ له وإنما حِكَمُ وأمثالٌ يعزيه بها، إلخ)) محضُ مواربة، فإن أباه صرّح بمدحي في قصيدته الهمزية بقوله:
ورُبّ رسالةٍ عذراءَ جاءت لها بالمسك ختمٌ و ابتداءُ
من اللفظ الفصيح لها خباءٌ على المعنى الصريح له بناءُ
لآلئُ لجّةٍ بيضٌ عليها رجال الحيّ غارت و النساءُ
إذا قلنا اليتيمة كذَّبَتْنا لها شِيَعٌ تجلّ وأنسباءُ
رأيتك ما أَنِفْتَ لمدح مثلي فذاك عليك من كرمٍ ثناءُ
إلى أن يقول:
خلعتَ عليّ فضلاً أدّعيه وحسبي أن مثلك لي جلاءُ
وكذلك صرَّح بمدحي في قصيدته العاطلة التي مطلعها:
لأهل الدهر آمالٌ طوالُ. . .وكنت قد ذكرت هاتين القصيدتين مع قصيدة التعزية فما باله يقول الآن،وليس في القصيدة مدحٌ له. فهل ذلك إلا من العمى و التعامي؟
أما قوله: ((الظاهر أن هذا هو الذي دعاه إلى ذكر الكتاب فجعله تمهيداً لِما نراه)) فالجواب أني لم أنوِ طعناً في مقامات أبيه. ولو كان في قصدي ذلك لم أقتصر على لفظة ((الفطحل))، وإنما اختصصتها بالذكر لغرابتها. ومن شأن الشاعر إذا تعمّد إيراد لفظةٍ غريبة أن يتروى فيها ولا يوردها مجازفة. أما قوله إنها من غلط الطبع فيكذّبه ورود ((المطل)) بعدها. فتأمل.
أما قوله (أما وجه الانتقاد على اللفظة المذكورة فهو أن ((الحاء)) منها مقدّمة على ((الطاء)) في الواقع، و الحق العكس وأن يقال الفِطَحْل)). فقوله في الواقع، صوابه في المقامات. فإن الواقع هو تقديم ((الطاء)) على ((الحاء)). وهنا أطال الكلام هذراً وهذياناً فزعم أنه يلزمني أن أقول وفَطْحَل بفتح ((الفاء)) وسكون ((الطاء)) وفتح ((الحاء))، لأنه يقول: إن قرائن كلامي تقتضي بقاء ما سوى ((الفاء)) على حاله. على حاله. فالعجب من هذا التبلتع فإنه إذا قال أحدٌ وفَطحل بفتح ((الفاء)) لم يفهم منه سوى وزان جعفر، إذ ليس للرباعي المفتوح ((الفاء)) سوى هذا الوزن))،فما موجب هذا الهذيان كله في هذه الكلمة؟ أما قوله (ومثل هذه الزيادة قوله في كتاب سر الليال في كلامه عن لغات الأعاجم: ((فما مثَلُهنّ إلا مَثَل الثوب المرقّع و الوجه القبيح المبرقع، فإنه قصد المبالغة في قبحه فالتوى عليه المعنى وجاء عكي المقصود)). فلعمري إنه لا يرى في هذا المعنى إلتواء إلا من إلتوت نيّته وقصر فهمه وطال لسانه. فإن القبيح قد يكون مبرقعاً، كما أن ((المبرقع)) قد يكون قبيحاً فلا تضاد بين هاتين الحالتين. فمن أين جاء الإلتواء. وقد قال أبو الطيّب:
قبحاً لوجهك يا زمان فإنه وجه له من كل قبحٍ برقعُ
فما الفرق بين الكلامين.
¥