تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا عجب من أن هذا المتبلتع يقول مثل هذا الكلام، فإنه غرٌ لم يمارس اللغة، وإنما العجب من كاتب الجنان أن ينشره عنه مع كونه حشر نفسه في عداد المؤلفين في هذه اللغة الشريفة، وما ذلك إلا لأن كلام اليازجي أصاب منه موضع جَرَبٍ فحكّه.

أما اعتراض اليازجي على قولي في مقدمة سر الليال: فلهذا كان أقصى همّي أن أغوص في بحر هذه اللغة على دراري أسباب هذه الألفاظ، فإن الدراري غلط و صوابها الدرر. فالجواب أني ذكرتُ في آخر سر الليال أني سأبين الغلط الذي وقع فيه في جدول ٍ مخصوص بعد ختام الكتاب بأسره، إذ لم تكن لي فرصة لجمع ما كان يُطبع منه. وليكن معلوماً هنا أني كنت أحرّر هذا السفر كما كنتُ أحرّر الجوائب، أعني صفحةً صفحة، وكلما نجزت صفحة منه سلمتها إلى المرتب فلم تمكني الفرصة من تهذيبه كما أردت، ولم يكن لي همّ سوى في إظهار أصل معاني الألفاظ على النسق الذي تحريته، وأعظم شاهدٍ على ذلك أني في مقدمة الكتاب المذكور أنكرت على صاحب القاموس خلطه الأفعال الرباعية و الخماسية و السداسية بالفعل الثلاثي، وكان من قصدي تمييزها عنه فلم يتهيأ لي ذلك لسبب العَجلة.

وبقيَ هنا تنبيه المعترض إلى ما ارتكبه من الخطأ، فمن ذلك قوله في صفحة 409 [من الجنان]: عند مظنّة الانفراد. ضبط الظاء بالفتح وهي مكسورة. وقوله هذا يشير إلى أني أجسر على تخطئة أبيه وهو في قيد الحياة، فلما أن توفي تصدّيت لتخطئته، و الحال أني لما أوردت الفطحل و المرابط، نسبتهما إلى غلط السهو لا إلى غلط الجهل ولم أتجاوزهما مخافة أن يُنسب إليّ نقض الذمم كما ذكر ابنه، ولو كان قصدي التخطئة لما اقتصرت عليهما، على أن غلط الجهل أيضاً لا ينفي عن الشاعر الشاعرية، فكم قد رأينا من إناس يجيدون الشعر وهم غير متضلعين من العربية. وكم من علماء متضلعين منها وهم لا يحسنون أن ينظموا بيتاً واحداً. لا جَرم أنه ما من شاعر قال شعراً إلا وأخذ عليه. إلا أن حسناتهم في ضرب الأمثال وجودة السبك أذهبت سيئاتهم، ولم يلتّ ذلك شيئاً من فضلهم، وكذلك المؤلفون. فإذا كان هذا المعترض يدّعي بأن أباه كان معصوماً من الغلط، فتلك بدعةٌ شؤمى.

أمّا قوله: إنه يلزمني إشعار أبيه باختلال لفظة الفطحل، على ما يقتضيه عهد المودة، فهو لا يلزمني لأن لهذه اللفظة أخوات كثيرة في المقامات، فلو اختصصت منها بالذكر لفظة الفطحل لما كنتُ مصيباً، ولأني كنت مترقباً إصلاحها منه، فلما بقيت على الخطأ نبّهت عليها قياماً بحق اللغة، فإني لا أخشى في حبها لومة لائم. على أن أقول كما قلت آنفاً، إن هذه الأغلاط مفتقرة بالنظر إلى ما في المقامات من جودة السبك و الفصاحة.

ومن الخطأ المعترض في الرسم قوله: على أن تصدّىّ، بتشديد الياء، وصوابه تصديي. ومن خطائه في المعنى قوله: وشهد الله أني مذ اليوم لم أكن أتوقع مثل ذلك من هذا الصديق القديم. وصوابه:إلى هذا اليوم، كما لا يخفى. ومن خطائه في اللغة قوله في صفحة 412: فإنه قد حفظ له ذلك زمناً ينيف عن ستين سنة. و الصواب ستين. ومن ذلك قوله: إن الذّمم عنده تموت بموت أصحابها. ضَبط الذال من الذمم بالضم وهي مكسورة. وأقبح من ذلك قوله في آخر كلامه: أمانته وذُمته. ضَبط الذال من ذمته بالضم وهي مكسورة. عل أن أجهل العامّة في بيروت وجبل لبنان يقول عند الحلف: على ذِمّتي بالكسر. ومن ذلك قوله في صفحة 410: على أن غلط الوهم لا يخلو منه أحد كما أشار. والصواب كما أشار إليه.

فمن كان رأس ماله في العربية هذا المقدار وإلا فليستعين بصاحب الجنان [بطرس البستاني] على تنقيح كلامه. فأمّا تعقيد كلامه واضطراب عبارته وإسهابه في غير موضع الإسهاب، فنكله إلى من له ذوق سليم وطبع مستقيم، وأنكر من ذلك كله قول صاحب الجنان: ((ولذلك قد عزمنا إن شاء الله على طبع ما ربّما يُكتب في هذا الباب من الرد والأجوبة من الفريقين)). وحاصله أنه عازم على تشريف صحيفته بكلام اليازجي مرّة أخرى بل مراراً متعدّدة، لأن موضع الجَرَب منه لم يُشف بعد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير