تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من جديد، ريثما يبدؤون محاولة الثورة والمقاومة مرة أخرى، مثل: هروب عبد الله، وعبيد الله ابني مروان بن الحكم إلى بلاد النوبة، ومثلما فعل الثائر الأموي أبو ركوة في عهد الفاطميين (35).

ومن الدوافع السياسية التي ساهمت في دعم وتوسيع الهجرة العربية إلى النوبة تلك الحملات الحربية التي سيرها ولاة المسلمين من مصر ـ بعد إعدادها ودعمها ـ إما بسبب انقطاع النوبة عن دفع (البقط) المقرر عليهم، أو بسبب هجومهم على منطقة الحدود جنوبي مصر، وقد كانت هذه الحملات تصل إلى أعماق بلاد النوبة، ثم تستقر أعداد من المشاركين فيها في البلاد، فيساهمون في نشر الدعوة، والثقافة الإسلامية في المنطقة، ونقل الدماء العربية للنوبيين بالتزوج منهم، ومصاهرتهم.

ومن الدوافع السياسية أيضاً تحول سياسة العباسيين تجاه العرب؛ إذ المعروف أنه مع الفتح الإسلامي لمصر ظلت القبائل العربية تفد إليها بأعداد كبيرة جداً، سواء دعاهم الولاة كما سبق، أو بتحرك تلقائي من قبلهم نحو مصر، فأصبحت أعدادهم كبيرة جداً، وصار لهم نفوذ هام في الدولة، وتسيير أمورها، واستقرت جماعات منهم في الريف، ومارست الزراعة (36)، إلا أنه بسقوط الدولة الأموية، وقيام الدولة العباسية بدأ العباسيون في استرضاء الموالي، والاعتماد على الجنود الأتراك، وعلى وجه الخصوص في عهد الخليفة المعتصم (218 - 227هـ) فأثبتهم في الديوان، وأمر واليه في مصر (كيدر بن نصر الصفدي) بإسقاط من في ديوان مصر من العرب، وقطع العطاء عنهم (37)، وأدى هذا القرار الخطير إلى ثورة عربية ضد الوالي، انتهت بأسر زعمائها من القبائل العربية (38)، وبهذا «انقرضت دولة العرب في مصر، وصار جندها العجم المَوالي من عهد المعتصم إلى أن ولي الأمير أبو العباس أحمد بن طولون فاستكثر من العبيد» (39)؛ ففقد العرب بهذا نفوذهم القديم، وأبدوا استياءهم الشديد لهذا التحول في سياسة الدولة، وكثرت ثوراتهم في أول قرن للدولة العباسية، وقامت ثورات يقودها أمراء أمويون في صعيد مصر، أيدتها كثير من القبائل العربية، ولم تفلح الحكومة المركزية في إخمادها إلا بعد جهود كبيرة (40)، وأعلنت كذلك قبائل قيس العصيان، ورفضت دفع الخراج المقرر عليها (41).

فكان طبعياً أن يتبع هذه الاضطرابات نزاعات كثيرة بين هؤلاء الذين امتنعوا عن دفع الخراج المقرر عليهم ـ مع التمتع بملكية وخيرات الأراضي التي يفلحونها ـ وبين ولاة الأمر في مصر، وأدى ذلك في النهاية إلى توسيع الشقة بين العرب والولاة من حكام مصر، فكان لهذا التوتر في العلاقة، ولهذا الضغط السياسي والاقتصادي أسوأ الأثر في نفوس العرب، الذين فقدوا مصدر رزق هام بالنسبة لهم، ولم يبقَ أمامهم إلا أحد أمرين: إما أن يذعنوا للأمر ويسلموا بهذا الواقع، وإما أن ينزحوا نحو صعيد مصر بعيداً عن سلطة الوالي؛ فآثروا الأمر الثاني، وأخذوا منذ أوائل القرن الثالث الهجري ينزحون للصعيد المصري، ومنه لبلاد النوبة في مجموعات صغيرة، دون أن تسترعي انتباه أحد، أو يسجل التاريخ تفاصيلها، والأغرب من ذلك أنهم قد اجتازوا الحدود بين مصر والنوبة في هدوء شديد، لم يلفت إليهم صاحب الجبل والي الإقليم الشمالي من قبل النوبة الموكل بحفظ الحدود الشمالية لبلاده، والذي يحول دون دخول أي شخص للبلاد دون تصريح رسمي يسمح له بذلك (42).

ثالثاً: الدوافع التجارية والاقتصادية:

ظلت العلاقات التجارية بين مصر والنوبة مزدهرة منذ قديم الزمان، وذلك لحاجة البلدين؛ إذ كانت مصر تحتاج لكثير من المنتجات التي لا تتوفر فيها، مثل: الأخشاب، والعاج، والأبنوس، وبعض التوابل .. وغيرها، فخرجت قوافل تجارتها منذ قديم الزمان إلى الجنوب منها، حتى وصلت إلى أجزاء نائية من القارة الأفريقية (43)، وارتبطت مع بلاد النوبة بصلات تجارية قوية؛ فكانت مدينة أسوان مجمعاً للتجار من أهل السودان ومن النوبة، وكان التجار النوبيون يقدمون إلى أسوان عن طريق النيل حتى الجنادل، ثم يتحولون إلى ظهور الإبل حتى يصلوا إلى أسوان (44)، وقد سكنها كثير من العرب لمناخها الذي يقارب مناخ الجزيرة العربية ولمركزها التجاري (45)، إضافة إلى أن النوبة كانت تصدر عن طريق أسواقها أهم منتجاتها من: (الذهب والزمرد) الذي ينتج في وادي العلاقي (46)، إضافة إلى الرقيق، والعاج، والأخشاب الصلبة،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير